للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأثر وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك، وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشر معشار ذلك (١).

وقد تقدم: أن الإمام أحمد أتى على ما عند شيخه هشيم من مسموعات وهو لا يزال حياً، وكان الشافعي يسترشده في معرفة ما ثبت من صحيح الأحاديث ليعمل به. كما تقدم أنه لم يكن عنده ترجمة على ظهور الأجزاء المروية عن شيوخه، وكان يعرفها مع ذلك ويميزها، مما أذهل أبا زرعة الرازي.

وتقدم أن عبد الرحمن بن مهدي كان يعتبر الإمام أحمد وارث علم سفيان الثوري، حتى إنه يُذكِّره به وكأنه نسخة ثانية من شخصيته، وكان عبد الرحمن واسطة بين الرجلين تلميذاً لهذا وشيخا لهذا.

وزاد محمد بن إبراهيم البوشنجي على ذلك فقال: هو -أي أحمد- عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما امتحن أحمد بن حنبل، ولا عِلْم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل؛ لأنه كان أجمع لها وأبصر بمتقنيهم وغالطيهم، وصدوقهم وكذوبهم منه (٢).

فهذه الشهادات تعطينا صورة عن حفظ الإمام أحمد، وسعة اطلاعه على السنن والآثار وفتاوى التابعين، وأنه كان لا يشق له غبار في ذلك، حتى قال أبو بكر ابن أبي شيبة: لا يقال لأحمد بن حنبل: من أين قلت؟! (٣). وقال عبد الوهاب الوراق: "ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، فقالوا له: وأي شيء بأن لك من فضله وعلمه؟ قال: رجل سئل ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا (٤).


(١) السير ١١/ ١٨٧.
(٢) المناقب ص ٦٠٣.
(٣) السير ١١/ ١٨٦.
(٤) المنهج الأحمد ١/ ٨٥.