للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد خلف لنا الإمام أحمد ذلك الديوان العظيم المسمى: "المسند"، وقد صُنِّف في جمع السنة ما يزيد على المائة مسند (١)، فكان لابد من قرن اسم المصنِّف بالمسند الذي صنفه كـ"مسند عبد بن حميد" و"مسند أبي يعلى الموصلي" .. حتى يتميز عن غيره، ولكن لشهرة مسند أحمد، وتفوقه على غيره أصبح هذا الإسم المجرد -أعني "المسند"- علماً عليه بالغلبة، فإذا أطلق فهو المقصود به حصراً، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في ذكر المؤلفات في الحديث.

• وأما الفقه:

فقد روي عنه -رَحِمَهُ اللهُ- في صيغة أسئلة وأجولة على غرار الفتاوي المسموعة، ولم يدوّن كتاباً في ذلك قط، لأنه كان يكره حتى التعليقات المكتوبة بإزاء السنن والآثار، كما هو صنيع مالك في "الموطأ"، بَلْهَ الفقه المجرد الذي ليس فيه إلا الإجتهاد الخالص.

فيكون المذهب الحنبلي قد ولد أول ما ولد في صورة أسمعة كتبها الأصحاب، بعضها في حياته وبعضها بعد وفاته، فكان بهذا شبيهاً بالمذهب المالكي. فقد تَكوَّن هو الآخر بهذه الطريقة، وبزغ فجره في كتاب "الموطأ" وأسمعة الأصحاب لمسائل الفقه التي أجاب عنها، فعبد الرحمن بن القاسم له سماع من مالك بلغ عشرين كتاباً، وأبو محمد عبد الله بن وهب له سماع من مالك بلغ ثلاثين كتاباً، وأشهب بن عبد العزيز له سماع من مالك يقول عنه سحنون: حدثني المتحري في سماعه: اْشهب ... وكان ورعاً في سماعه. وعدد كتب سماعه عشرون كتاباً. وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكم كان له سماع من مالك، "الموطأ" نحو ثلاثة أجزاء. وصنف كتباً اختصر فيها أسمعته (٢).

وكذلك الإمام أحمد دون أصحابه مذهبه في مرحلته المبكرة، فيما عرف واشتهر بـ "المسائل".


(١) "الرسالة المستطرفة"، لمحمد بن جعفر الكتاني.
(٢) الإختلاف الفقهي، ص ٨١، نقلاً عن "ترتيب المدارك" و"الديباج" وغيرها من تراجم علماء المالكية.