للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الذكر الحكيم جاء تصوير الأموال بالفتنة إذا كانت مقصودة من الناس لذاتها، لا لأداء ما يتعلق بها من واجبات أو صرفها في وجوه البر كما أمر الله المنعمُ بها. قال - عز وجل -: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (١).

وإلى جانب هذه الحقيقة الثابتة التي تعتبر في الخَلق فطرةً وجبلةً وُجودُ ما يساعد النفوس على الاستقامة والرشد فيما يصدر عنها من تصرّفات يمليها الشارع وتقتضيها طبيعة أحكامه. وهذه هي القاعدة الأولى قاعدة حُسن التصرّف. وإنك لتجدها مع قواعد أخرى في أبواب المعاملات، تأسست على توجيهات وتعاليم دينية، وعلى تشاريع وأحكام شرعية، إذا خرج عنها العبد ولم ينقد إليها، سُمجت نفسه، وطاش عقله، وقويت شهوته، واقتعد الهوى غاربَه. فإذا صدر عنه بعد ذلك أي عملٍ، كان حجة عليه شاهداً بتجاوزاته، وتعريةً لأمراضه النفسية، وحجاباً بينه وبين المصلحة الكلية التي أوجب الباري مراعاتَها والسيرَ على وفقها إصلاحاً للبشر ودعماً للأمة وإقامة للعمران.

والقاعدة الثانية هي الوسطية في البذل والعطاء. وهي الواقعة بين الحدَّين الذميمين: الإفراط والتفريط. فالله، جلّت حكمته، أمرنا بالتزامها في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (٢)، وفي قوله: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (٣)، وفي قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (٤). وقال أحدهم في تحديد السرف: لا


(١) سورة التغابن، الآية: ١٥.
(٢) سورة الفرقان، الآية: ٦٧.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٢٦، ٢٧.
(٤) سورة الإسراء، الآية: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>