للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا أرى: سبب اختلاف الأصوليين في تقييد الأدلة بالقواطع هو: الحيرة بين ما ألفوه من أدلة الأحكام، وبين ما راموا أن يصلوا إليه من جعل أصول الفقه قطعية كأصول الدين السمعية. فهم قد أقدموا على جعلها قطعية، فلما دوَّنوها وجمعوها ألفوا القطعي فيها نادراً ندرة كادت تذهب باعتباره في عداد مسائل علم الأصول. كيف وفي معظم أصول الفقه اختلاف بين علمائه؟!. فنحن إذا أردنا أن ندون أصولاً قطعية للتفقّه في الدين حقّ علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد ذَوْبها في بُوتَقَةِ التدوين، ونُعَيِّرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي غلثت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثمّ نعيد صوغ ذلك العلم ونسمّيه "علم مقاصد الشريعة"، ونترك علم أصول الفقه على حاله نَستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه غير مُنْزَوٍ تحت سرادق مقصدنا هذا من تدوين مقاصد الشريعة، فنجعل منه مبادئ لهذا العلم الجليل: "علم مقاصد الشريعة" (١). فينبغي أن نقول: أصول


(١) من أجل بيان ما بين علمي أصول الفقه والمقاصد الشرعية من صلات، يحسن بنا أن نحصر مسائل كل واحد منهما وموضوعه، لإدراك مدى العلاقة بينهما. فعلم أصول الفقه عبارة عن أدلة الفقه الإجمالية وقواعده الكلية التي تستنبط منها أحكامه. وهذه وتلك إما نقلية محضة كالكتاب والسنة وقول الصحابي. وإما اجتهادية تستند في حجيتها واعتبارها إلى النقل، وتؤخذ من معقوله بوجه من الوجوه المعتبرة المبيّنة عند الأصوليين، كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها. وإما اجتهادية تستند إلى أحد النوعين السابقين، فما يلزم فيهما يلزم فيه وهو الإجماع.
وعلم المقاصد: كل ما يكشف عن وجوه الإعجاز التشريعي القائمة على جلب مصالح العباد أو تكميلها، ودفع المفاسد عنهم أو تقليلها، في دينهم ودنياهم. أو يفيد بياناً أو تعليلاً لبعض الأحكام الجزئية بذكر حكمته =

<<  <  ج: ص:  >  >>