للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد برده أسفل سافلين انتقال الناس إلى اكتساب الرذائل بالعقائد الباطلة والأعمال الذميمة. وليس المراد تقويم الصورة لأن صورة الناس لم تتغير إلى ما هو أسفل، ولأن الاستثناء بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} يمنع أن يكون المستثنى منه صوراً ظاهرة، إذ ليس للمؤمنين الصالحين اختصاص بصور جميلة. فالأصول الفطرية هي التي خلق الله عليها الإنسان المخلوق لعمران العالم، وهي إذن الصالحة لانتظام هذا العالم على أكمل وجه، وهي إذن ما يحتوي علمه الإسلام الذي أراده الله لإصلاح العالم بعد اخلاله.

ومعنى وصف الإسلام بأنه {فِطْرَتَ اللَّهِ}: أن الأصول التي جاء بها الإسلام هي من الفطرة، ثم تتبعها أصول وفروع هي من الفضائل الذائعة المقبولة. فجاء بها الإسلام وحرَّض عليها، إذ هي من العادات الصالحة المتأصّلة في البشر، والناشئة عن مقاصد من الخير سالمة من الضرر. فهي راجعة إلى أصول الفطرة، وإن كانت لو تركت الفطرة وشأنها لما شهدت بها ولا بضدّها. فلما حصلت


= بالإنسان لا يشاركه فيه غيره من المخلوقات. ويتضح في تعديل القوى الظاهرة والباطنة بحيث لا تكون إحدى قواه مُوقعة له فيما يفسده، ولا يعوق بعض قواه البعض الآخر عن أداء وظيفته فإن غيَّره من جنسه كان دونه في التقويم. التحرير والتنوير: ٣٠/ ٤٢٤.
وهذا التفسير يجمع بين التقويم للجسد والتقويم للعقل. وقال آخر من المفسرين: إن عناية الله بأمر هذا المخلوق لتتجلّى في خلقه وتركبه على هذا النحو الفائق سواء في تكوينه الجسماني البالغ الدقة والتعقيد، أم في تكوينه العقلي الفريد، أم في تكوينه الروحي العجيب. وقد قفى الإمام الأكبر على تفصيله لهذه المعاني بكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" فإن العقل أشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع. التحرير والتنوير: ٣٠/ ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>