للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختارتها الفطرة، ولذلك استقرت عند الفطرة واستحسنتها.

مثال ذلك: الحياء والوقاحة، فإنّهما إذا لم يخرجا إلى حد الاستعمال في الإضرار كانا سواء في شهادة الفطرة. وقد كان بعض الحكماء معروفاً بالوقاحة والسلاطة، مثل: الحكيم ديوجينوس اليوناني (١).

ولكنا نجد الحياء محبوباً للناس فصار من العادات الصالحة، وصلح لأن تنشأ عنه منافع جمة في صلاح الذات وإصلاح العموم، فلذلك كان من شعار الإسلام. ففي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ برجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء (أي ينهاه عما تلبس به من الحياء)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعه فإن الحياء من الإيمان" (٢). فلم تسلم حكمة أصحاب الشدّة والغلظة من نفور الناس عنها وعنهم، وقد قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (٣).

ويستبين لك من هذا أن الوجدان الإنساني العقلي لا يدخل تحت الفطرة منه إلا الحقائق والاعتباريات، ولا يدخل فيه الأوهام والتخيّلات، لأنها ليست مما فطر عليها العقل، ولكنها مما عرض


(١) الحكيم اليوناني، حوالي (٤١٣ - ٣٢٧) قبل الميلاد. من أشهر تلاميذه أنتيستان، يحتقر الثروات، ويعارض كل القوانين الاجتماعية ويراها تجاوزات للحرية، كما يدعو إلى التخلص من المتع والاكتفاء بالأدنى من الحاجات. سأله الإسكندر الأكبر عن حاجته فقال له: أن تتنحى عن شمسي.
(٢) انظر ٢ كتاب الإيمان، ١٦ باب الحياء من الإيمان. خَ: ١/ ١١؛ كتاب الأدب المفرد، باب الحياء، ح ٦٠٢. خَ: ٢٣٥؛ انظر ١ كتاب الإيمان، ١٢ باب بيان عدد شعب الإيمان، ح ٥٩. مَ: ١/ ٦٣.
(٣) آل عمران: ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>