للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفطرة عروضاً كثيراً حتى لازمت أصحاب الفطرة في غالب الأحوال فاشتبهت بالفطريات. وإنما كان عروضها للفطرة بسوء استعمال العقل وسوء فهم الأسباب. ولذلك تجد العقلاء متفقين في الحقائق والاعتباريات، ولا تجدهم متفقين في الوهميات والتخيلات، بل تجد سلطان هذين الأخيرين أشد بمقدار شدة ضعف العقول، وتجد أهل العقول الراجحة في سلامة منهما.

ويتفرع لنا من هذا أن الشريعة الإسلامية داعية أهلها إلى تقويم الفطرة والحفاظ على أعمالها، وإحياء ما اندرس منها أو اختلط بها. فالزواج والإرضاع من الفطرة وشواهده ظاهرة في الخلقة، والتعاوض وآداب المعاشرة من الفطرة لأنهما اقتضاهما التعاون على البقاء، وحفظ الأنفس والأنساب من الفطرة، والحضارة الحق من الفطرة، لأنها من آثار حركة العقل الذي هو من الفطرة، وأنواع المعارف الصالحة من الفطرة، لأنها نشأت عن تلاقح العقول وتفاوضها. والمخترعات من الفطرة لأنها متولدة عن التفكير، وفي الفطرة حب ظهور ما تولد عن الخلقة.

ونحن إذا أجدنا النظر في المقصد العام من التشريع - الذي سيأتي بحثه (١) - نجده لا يعدو أن يساير حفظ الفطرة والحذر من خرقها واختلالها. ولعل ما أفضى إلى خرق عظيم فيها يعدّ في الشرع محذوراً وممنوعاً، وما أفضى إلى حفظ كيانها يعد واجباً، وما كان دون ذلك في الأمرين فهو منهي أو مطلوب في الجملة، وما لا يمسّها مباح.

ثم إذا تعارضت مقتضيات الفطرة ولم يُمكن الجمع بينها في


(١) في هذا القسم من الكتاب: ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>