للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما كان من القسم الثاني من قسمي المصلحة فليس لأحد إسقاطُ حقه فيه لأن حقه ثابت مع حق غيره.

وخلاصة القول: إن الشريعة تحافظ أبداً على المصلحة المستخفِّ بها، سواء كانت عامةً أم خاصة، حفظاً للحق العام أو للحق الخاص الذي غلب عليه هَوَى الغير أو هواه هو نفسه.

ومتى تعارضت المصلحتان رُجِّحت المصلحةُ العظمى. ولهذا قدم القصاص على احترام نفس المُقتَصِّ منه، لأن مصلحة القصاص عظيمة في تسكين ثائرة أولياء القتيل، لتقع السلامة من الثارات، وفي انزجار الجناة عن القتل، وفي إزالة نفس شريرة من المجتمع. فلو أسقط وليُّ الدم القصاص زالت أعظم المصالح. فبقيت مصلحتان أخريان: إحداهما حاصلة من توقّع عدم العفو، والأخرى تحصل باستصلاح حال الجاني بالضرب والسجن. فلذلك سقط القصاصُ بالعفو فيما عدا قتل الغيلة وما عدا الحرابة، لأن عِظَم الجريمة رجَّحَ جانبَ مصلحةِ إزالةِ نفسٍ ظهرَ شرُّها وَبَعُد رجاءُ خيرها.

ولأجل هذا أيضاً كان إتلاف النفوس في الذب عن الحوزة غرضاً صحيحاً. وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - طلحةَ بن عبيد الله حين وقف يدفع بسيفه ونَبله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حتى ضربت يده (١)، لأنّ في


(١) طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي هو أبو محمد، ويعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى. آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين كعب بن مالك. شهد أُحداً. وأبلى فيها بلاء حسناً. وقى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، واتقى النبل عنه بيده حتى شلت أصبعه. فعن قيس: رأيت يد طلحة شلاء وَقَى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد. انظر ٦٤ كتاب المغاي: ١٨ باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>