للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول لأحد في ذم شيء أن يقولوا: "قال فيه ما قال مالك في الخمر". وفي الحديث الصحيح: "ليس لنا مثل السوْء: العائد في صدقته كالكلب العائد في قيئه" (١).

ولكن معظم الوصايا الشرعية منوطٌ تنفيذُها بالوازع الديني، وهو وازعُ الإيمان الصحيح المتفرع إلى الرجاء والخوف. فلذلك كان تنفيذ الأوامر والنواهي موكولاً إلى دين المخاطَبين بها. قال الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٢)، وقال: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} (٣)، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (٤)، وغير ذلك من الآيات والآثار النبوية، وفي استقرائها كثرةٌ.

فمتى ضعف الوازع الديني، في زمن أو قوم أو في أحوال يُظَنُّ أن الدافع إلى مخالفة الشرع في مثلها أقوى على أكثر النفوس من الوازع الديني، هنالك يُصار إلى الوازع السلطاني، فيناطُ التنفيذُ بالوازع السلطاني. كما قال عثمان بن عفان: "يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (٥). ولذلك قال ابن عطية (٦) * "والصواب في أوصياء زماننا ألا يستغنى عن دفعه إلى السلطان، وثبوت الرشد عنده، لما


(١) انظر أعلاه: ١١٣/ ١. ١٧٥/ ٣.
(٢) البقرة: ٢٢٨.
(٣) البقرة: ٢٣٥.
(٤) البقرة: ٢٣٥.
(٥) انظر أعلاه: ٣٥٤/ ١.
(٦) * هو القاضي عبد الحق بن عطية الغرناطي، ولد سنة ٤٨١ هـ وتوفي سنة ٥٤٦ هـ. له: تفسير القرآن المسمى المحرر الوجيز. وهو تفسير ممتع. اهـ. تع ابن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>