للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام ابن راشد هو الصواب, لأن المجتهد غير مطلوب بفصل القضاء بين الناس. فإذا ولي المجتهدُ القضاء كان الشرط فيه أضيق من شروط مطلق مجتهد. وقوله: "إنه وسيلة إلى تولية الجهال"، هو كذلك, لأن ملكة الاستحصال لا تنضبط ولا يدرك توفّرُهَا في صاحبها إلا العلماءُ. فإذا هوي ولاةُ الجور أو الجهالة تولية أحد من الجهلة القضاء زعموا أنه وإن لم يكن عالماً فهو قادر على استخراج المسائل وهو غير قادر، أو لعله وإن كان قادراً لا يصرف همته إلى ذلك، بخلاف استحضار المسائل، فالامتحان فيه لا يخفى.

ومما يرجع إلى معنى العلم المقدرةُ على فهم مراد الفقهاء ومصطلحهم. قال ابن عبد البر في الكافي: "لم يختلف العلماء بالمدينة وغيرها فيما علمت أنه لا ينبغي أن يولَّى القضاءَ إلا الموثوق به في دينه وعلمه وفهمه" (١) اهـ.

ومن ذلك أيضاً المقدرة على فهم مدركات المسائل وعللها لأن ذلك أحسن منبه للقاضي حين اشتباه المسائل المتشابهة لقولهم: لا يصلح كون القاضي صاحب فقه لا حديث معه.

وأما السلامة من نفوذ غيره عليه فهو مندرج في اشتراطهم في صفات القاضي الحرية. وقد تحيروا في [تعليل] اشتراط الحرية. وتحيُّرهم في تعليله دليل لنا على أن المعلول مسلم لا نزاع فيه. وأنا أعلَّلُه بأن الرق حق على العبد. فهو محكوم لمالكه لا يسعه إلا


= القاضي لا يحكم في مسألة حتى يفهمها، ويطالع ما قيل فيها، فتضيق أحوال الخصوم. وربما تركوا حقوقهم. وفيها أيضاً وسيلة إلى تولية الجهال. ابن راشد: ٤/ ٧٧ أ.
(١) عبارة الكافي: "في دينه وصلاحه وفهمه وعمله". ابن عبد البر: ٢/ ٩٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>