للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصانعته فيصير لسيد العبد أثر في إجراء النوازل التي يباشرها عبدُه. وهذا يوميء إلى وجوب تجرد القاضي عن كل ما من شأنه أن يجعله تحت نفوذ غيره، فإن العبودية مراتب. وفي الحديث: "تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم وتعس عبد القطيفة الذي إذا أُعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض" (١). فجعل ذلك سبباً لاستعباده.

ومن أجل هذا اتفق علماؤنا على تحريم الرشوة. قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} (٢).

ومن هنا يتضح ما قاله أشهب: إن من واجبات القاضي أن يكون مستخفاً بالأئمة أي مستخفّاً بتوسطاتهم في النوازل وشفاعتهم فيها، وفي إنفاذ الحق عليهم وعلى ذويهم. وليس المراد أنه مستخفٌّ بحقوق الأئمة في تقرير الطاعة العامة. وبعضهم زعم أن العبارة تحريف اللائمة (بتشديد اللام) أي أن لا يراعي لومة لائم، وهو تأويل بعيد لا يلاقي تعليق المجرور بمادة الاستخفاف.

وأما العدالة فإنها الوازع عن الجور في الحكم والتقصير في تقصّي النظر في حجج الخصوم. فإن القضاء أمانة، ولذلك قرنه الله تعالى بالأمانات في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (٣). ولذلك قال علماؤنا:


(١) الحديث لأبي هريرة. وهو في بعض الطرق بلفظ: "القطيفة والخميصة". انظر ٥٦ كتاب الجهاد، ٧ باب الحراسة في الغزو في سبيل الله. خَ: ٣/ ٢٢٣؛ ٨١ كتاب الرقاق، ١٠ باب ما يتقى من فتنة المال. ح ١. خَ: ٧/ ١٧٥؛ انظر ٣٧ كتاب الزهد، ٨ باب في المكثرين، ح ٤١٣٥، ٤١٣٦. جَه: ٢/ ١٣٨٥ - ١٣٨٦.
(٢) البقرة: ١٨٨.
(٣) النساء: ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>