للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريعةُ أحد الفريقين على إقامة تلك الحقوق لامتزاج الحقين، وتكرر استعمالها في مختلف الأزمان والأمكنة والأحوال، بحيث كان جعلها بيد أحد مَن لهم فيها حق أَوْلى من جعلها بيد ثالث أو إقامة رقباء على تنفيذها.

وجعلت الشريعةُ المؤتمنَ على هذه الحقوق هو أَوْلى صاحبَيْ الحق بمباشرته لكونه أدرى باستعماله، مثل حق تربية الأبناء في الصغر للأم، وفي اليفع للأب، وحق نظام المعاشرة الزوجية بيد الرجل لأنه أقرب إلى العدل بدائع الحب والنصح، وحق إقامة المنزل للمرأة، وحق إدارة الأعمال لعامل القراض وعامل المغارسة والمساقَى والمُزارع.

ثم إن هذا الائتمان بعضُه مجعولٌ من قبل الشرع إما في أصل الحق مثل الآباء في أموال أبنائهم، وإما بطريق القضاء كجعل ناظر على الوقف كما سيأتي. وبعضُه يُجعلُ من صاحب الحق كالوكالة وعقود الشركات في القراض والمساقاة والوصاية بالنظر من الآباء على أبنائهم.

وكل مُؤتمَن على حقّ فتصرّفُهُ فيه منوط بالمصلحة بحسب اجتهاده المستند إلى الوسائل المعروفة في استجلاب المصالح. فليس له أن يكون في تصرّفه جباراً ولا مضياعاً. فقد قال الله تعالى للأزواج: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (١)، وقال للأوصياء: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} (٢). وقد بيَّن القرافي في الفرق الثالث والعشرين والمائتين: "أن كل من ولي ولاية من الخلافة إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة. فهم معزولون عن


(١) النساء: ١٩.
(٢) البقرة: ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>