للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصرّفات عنصرية حاقدة جائرة كالثلث الاستعماري (١)، وما كان يقابلها من حركات التجنيس ووقائع الزلَّاج (٢)، أو يتبعها من ألوان السخرة للعمال والمستضعفين، إلى إمعان في التجهيل، وصدٍّ للمواطنين عن سُبُل الكرامة، وصرفهم عن التمتع بأدنى الحقوق التي شرعها الله لهم في بلادهم حتى لكأنهم غرباء بين أهليهم، أجانب في أوطانهم.

وقد دُبّر ذلك الأمر بليل؛ فإن إنجلترة، وقد بدأت تفكّر في التوسع الاستعماري، وتتنازع مع غيرها من الدول الأوروبية، كما ألمعنا إلى ذلك، تلقّت من بسمارك اقتراحاً في شهر أبريل ١٨٧٨ م باستعمال تونس عملة تبادل بينها وبين فرنسة للحصول على قبرص (٣). وأكّد ذلك سلسبري بقوله في مؤتمر برلين للوفد الفرنسي: "خذوا تونس إذا شئتم، إن إنجلترة سوف لن تعارض في ذلك بل ستحترم قراركم" (٤). وشيئاً فشيئاً تحصّلت فرنسة على الحرية الكاملة للعمل في تونس على حساب السيادة التركية. وكُلِّف روسطان بترتيب الحماية. وتعلّل الفرنسيون بأسباب ملفّقة، وفرضوا على الباي بعد اكتساح التراب التونسي معاهدة الحماية (٥)، ولم تُجدِ استغاثة والي


(١) مِنحة إضافية تسند للموظفين الأوروبيين وحدهم تقدر بثلث جراياتهم.
(٢) أكبر مقبرة بتونس في طريق الضاحية الجنوبية، جرت بها أحداث دامية حين أرادت حكومة الحماية الفرنسية فرض دفن المتجنسين بالجنسية الفرنسية بها.
(٣) عبد الرحمن تشابجي، المسألة التونسية والسياسة العثمانية (تعريب عبد الجليل التميمي): ٤٥.
(٤) نفس المصدر: ٥٤.
(٥) ابن أبي الضياف. إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس؛ محمد الفاضل ابن عاشور، الحركة الفكرية بتونس.

<<  <  ج: ص:  >  >>