للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تونس بالدولة العليَّة ولا نداءاته المتكررة إلى الدول التي أمضت معاهدة برلين إجابة منها. وتواصل تقدم الجيش الفرنسي حتى دخل قائده قصر الباي مصحوباً بكتيبة من جنود الخيّالة. واعترف باشا تونس بأنه وقّع المعاهدة تحت وطأة التهديد مشيراً إلى أن ذلك يطعن في شرعيتها. وكانت إجابة الجنرال: "أسجل رضاءكم بدون أن أهتم بردود فعلكم" (١).

ولئن عجزت السلطة الرسمية عن مقاومة هذا الاحتلال لعدم وجود أية مساندة خارجية تذكر، وللعجز المادي عن مواجهة قوى الاستعمار الكثيفة، فإن سكان البلاد الذين لم يسكتوا عن الضيم من قبلُ مع باي الأمحال وجباة الأموال من أعوانه ومساعديه (٢)، أوقدوها ثورة متأجِّجة. وكانت الانتفاضة الشعبية لتعزيز القوات المسلحة بالإيالة. واندلعت الاضطرابات في كل جهة، وظهرت بالجنوب حركة تلقائية امتدت من صفاقس إلى القيروان كما أعلنت قابس وجربة وجرجيس الانتفاضة مثل صفاقس (٣). ولكن سرعان ما طغت القوة المادية على روح البذل والتضحية، وقامت الموازنة بين القبيلين المهاجم والمدافع.

وبسبب هذه النتائج انكبّ رجال الإصلاح على دراسة علل هذه النكبة، وظهرت ثُلَّة من المفكرين والقادة اشتهروا بدأبهم على انتهاج طريق التحول وسبيل الإصلاح لتجديد المقاومة للعدو وافتكاك السلطة وتطهير البلاد وحماية العباد من الغاصبين المستبدِّين. وكان


(١) نفس المصدر: ١٣٠.
(٢) أحمد بن أبي الضياف. الإتحاف: ٦/ ٣٥ وما بعدها.
(٣) عبد الرحمن تشابجي: ١٥٢ - ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>