للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء مبيناً هذه الحقيقة ما دار بين الراجز عقبة بن رؤبة ابن العجاج، وبين بشار في مجلس والي البصرة. واتّهم الراجز بشاراً قائلاً له: هذا طراز يا أبا معاذ لا تنسجه. فاستشاط شاعرنا غضباً عليه. وقال له: ألِمثلي يقال هذا الكلام؟! أنا والله أرجز منك ومن أبيك وجدِّك. وأنشد الوالي في الغد بذلك المجلس أرجوزته الفائقة:

يا طللَ الحيِّ بذات الصَمْدِ ... باللَّه حدّث كيف كنتَ بعدي.

أوحشتَ من دَعْد ونُؤْيِ دَعدِ ... بعد زمانٍ ناعمٍ ومَرْدِ،

عهداً لنا، سَقياً له من عهدِ؛ ... إذ نحن أخياف بما نؤدِّي (١).

وهي طويلة تزيد على مائتي بيت. فلمّا فرغ من إنشادها طرب عقبة بن سَلم وأجزل صلته. وقام عقبة بن رؤبة فخرج من المجلس بخزي، وهرب من تحت ليلته (٢).

وبعد هذه الجولة التي أخَذَنَا فيها الإمام الأكبر إلى أجمل الرياض وأحسنها، وأزهاها وأطيبها، نحاول أن نجد لروائع القصائد والأشعار التي مررنا بها سنداً في الحكم أو تعليلاً، وسبباً للانبهار بما قرأناه أو سمعناه أو رويناه من هذه الغرر الشعرية، فلم نلف من ذلك الأنماط الأدبية السحرية. وإننا لا نترك إمامنا في الاهتداء إلى ذلك، بل نسير معه بخطى وئيدة استكمالاً للروعة، واستزادة من المتعة.

وقد كان بشار ممَّن وصفه النقاد بالتقدم والإجادة بين معاصريه فيما ينظمه من قصائد ويُعرف عنه من روائع.

قال الجاحظ وهو يتحدث عن كوكبة من فحول الشعر في عصر


(١) ابن عاشور. ديوان بشار: ٢/ ١٥٦.
(٢) الجاحظ. البيان والتبيين: ٢/ ٥٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>