وأما حفظ المال فطريقه التأدب بآداب الإسلام فيه. وذلك بالإمساك عن الإتلاف المنهي عنه شرعاً، وحفظ أجزاء المال المعتبرة من التلف بدون عوض.
ولا يكون من هذا إلغاء بعض الأعواض من الاعتبار، ولا حفظ الأموال من الخروج من يد مالكها إلى يد أخرى من أيدي الأمة بدون رضا. فإن تلك من الحاجي لا من الضروري. وحفظ الأموال الفردية يؤول إلى حفظ مال الأمة وبه يحصل.
وأما حفظ الأنساب فهو المعبَّر عنه بحفظ النسل. وتناوله الإمام بشيء من البسط في القول، جاعلاً حفظ الأنساب - أي النسل - من الضروري. وذلك ما يتحقق بحفظ ذكور الأمة من مثل الاختصاء أو من ترك مباشرة النساء باطراد العزوبة، وبحفظ إناث الأمة من قطع بعض أعضاء الأرحام التي بها الولادة، ومن أن تنشئ إفساد الحمل وقت العلوق، أو بقطع الثدي فإنه يكثر الموتان.
ويكون حفظ النسب بتحقيق انتساب النسل إلى أصله وهو من الحاجي. لكنه لما كان لفواته عواقب وخيمة يضطرب بها أمر نظام الأمة، وتنخرم بها دعامة العائلة غلظت الشريعة في حدّ الزنى. وممّا ورد من التغليظ فيه ما قاله بعض العلماء في نكاح السر، وكذلك فيما ورد عنهم في النكاح بدون ولي وبدون إشهاد.
وزاد القرافي على هذه الكليّات الواجبِ حفظُها حفظَ العِرض. وردَّ الإمام الأكبر ذلك، سالكاً منهج الغزاليَ وابن الحاجب في القول بعدم ضروريته، معلّلاً اتجاهه ورأيه بنفي التلازم بين عدِّ الأمر من الضروري، وبين ما يترتّب على تفويته من حدًّ. ويكون الضروري قليل التعرض إليه في الشريعة لاتخاذ البشر فيه ما يستوجبه من حيطة؛ لأنّه من الجبلّي المركوز في الطبع.