للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلبيات، بل نجده يتلمس الطريق إلى الإصلاح والتغيير فيقول في مقدمة كتابه، مؤكداً على ضرورة اتخاذ الأسباب لعلاج الأوضاع وتحقيق الرقي والتقدم: "وهل يمكننا اليوم الحصول على الاستعداد المشار إليه بدون تقدم في المعارف وأسباب العمران المشاهدة عند غيرنا؟ وهل يتيسر ذلك التقدم بدون إجراء تنظيمات سياسية تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتي العدل والحرية اللذَيْن هما أصلان في شريعتنا. ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك" (١).

وبفضل هذه الظروف والملابسات، والتنقل بين مركز الخلافة، وقاعدة الإيالة، وعاصمة فرنسة. عاش أبو محمد خير الدين الرجلُ السياسي اليقظ تجربةً شخصية متميّزة، تأثّر فيها بالعوامل السائدة، الفكرية والسياسية والاجتماعية المختلفة. وبعد عمق نظر وتدبّر وتأمّل في الأحداث والأزمات الكثيرة المتنوعة أسبابها ونتائجها، أودع خير الدين نتيجة تجربته كتابه الفريد، وبسط فيه، بعد دراسات ومقارنات وإحصائيات وتحليل للأوضاع في نحو عشرين بلداً أوروبياً، مشروعه ومنهجه الإصلاحي الذي كان موجّهاً منه للعالم العربي والإسلامي قاطبة، وبالخصوص إلى وطنه تونس. وقد ذاع صيت هذا المؤلَّف، وتناوله المؤرخون والنقاد والساسة بالدرس والتحليل. وهو بدون شك يكشف عن عقل مستنير يبحث عن موقف يقفه العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وهذا الموقف المنشود إزاء المدنية الأوروبية، هو موقف أكثر نضجاً من ذاك الذي اتخذه رفاعة الطهطاوي، وأقربُ إلى المحيط العربي


(١) المرجع السابق: (٢) ١/ ١٣٠ - ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>