للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة المائدة: ٤٨]، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة: ٤٩]، وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [سورة المائدة: ٥٠] (١)، وإلى جانب إيجاب الرضاعة على الزوجة المولود لها؛ فقد حرمت شِرعة الإسلام نشوزها على زوجها، فلو وقعت بين واجبين لا يمكنها الجمع بينهما؛ كان ذلك محل اجتهاد، ودفع الرضعاء إلى المراضع إبان المصير إلى أحد الواجبين لا يصيِّر الواجب الآخر مفضولًا مطلقًا، على أن المحظور - وهو النشوز - مقدم في الشريعة على المأمور به - وهو الرضاع هنا -؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه (٢)، وعلى أن الواجب الآخر المصاحب لواجب الرضاع قد يكون لحق الله - كحد الزنا - فيستوفى حق الآدمي الرضيع فيما وضعه الله له في صدر أمه، ويقدم على حق الله؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الغامدية (٣)، حتى أمكن استيفاء حق الله على وجه لا يخل بحق المخلوق حين وجد الكفيل الأمين.

ولا يمنع ما تقدم أن تجوز الشريعة استئجار الظئر للحاجة مع كون أم المولود في عصمة أبيه؛ لأن الصغار لا يتربون إلا بلبن الآدمية، والأم قد تعجز عن الإرضاع؛ لمرض، أو موت، أو تأبى الإرضاع؛ فلا طريق إلى تحصيل المقصود - مع حرمة فعلها - سوى ذلك. (٤)


(١) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٧/ ٤٥٧، ٨/ ٤٨٦، ٥٠١، ٥٠٣).
(٢) البخاري: المصدر السابق، (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ٩/ ٢٥٨)، برقم (٧٢٨٤)؛ من طريق إسماعيل، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا. مسلم: المصدر السابق، (كتاب المناسك - باب فرض الحج مرة في العمر- ٣/ ٥٨٢، كتاب المناقب - باب في الانتهاء عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وترك الاختلاف عليه والمسائل - ٦/ ١٨٥)، برقم (١٣٥٦، ٢٤٣٢)؛ من طريق زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن الرَّبيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" ا. هـ، ومن طريق حرملة بن يحيى التُّجيبي، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب؛ عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" ا. هـ
(٣) تقدم تخريجه آنفًا عند الدليل السابع لأصحاب القول الأول.
(٤) ينظر: السرخسي: المصدر السابق، (١٥/ ١١٨).

<<  <   >  >>