للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضابط الثامن: إنما الرضاعة من المجاعة. (١)

والمعنى - وهو مقارب للضابط السابق -: أن الرضاعة المعتبرة في إثبات الحرمة هي المغنية عن المجاعة؛ بحيث يحصل معها اندفاع جوعة الرضيع وسدها؛ لأن معدته ضعيفة؛ يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، ولا يكون ذلك إلا في الصغر؛ فلا تأثير لرضاع لا يقع الشبع بمحضه. (٢)

والدليل عليه: ما روت عائشة - رضي الله عنها -؛ قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي رجل، فقال: "يا عائشة! من هذا"؟ فقلت: أخي من الرضاعة. قال: "يا عائشة! انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة" (٣)؛ معناه: انظرن ما سبب هذه الأخوة؟ ؛ فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة، فهذه قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن، ويعتضد بقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرِضَاعَة} [سورة البقرة: ٢٣٣]، فإنه يدل على كون الحولين أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا، فما زاد عليه؛ لا يحتاج إليه عادة، فلا يعتبر شرعًا؛ إذ لاحكم للنادر. (٤)

ومما يندرج تحته من الفروع: أن ابنَ خمسَ عشرة سنة لو ارتضع من حليب امرأة؛ لم ينشر الحرمة؛ لأن حليب الثدي لا يدفع جوع الكبير، ولا يكفي غذاءه قطعًا. (٥)


(١) أصله حديث نبوي مرفوع سيرد مخرجا عند سوق دليل الضابط؛ إن شاء الله تعالى.
(٢) ينظر: الخطابي: معالم السنن (٣/ ١٢). ابن حجر: المصدر السابق، (١١/ ٣٨٦). السفاريني: كشف اللثام عن عمدة الأحكام (٦/ ٢٠). الإثيوبي: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (٢٧/ ٣١٧).
(٣) البخاري: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه (كتاب الشهادات - باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم - ٣/ ٥٠٠)، برقم (٢٦٦٤)؛ من طريق بن محمد بن كثير، عن سفيان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة؛ به مرفوعًا. مسلم: المصدر السابق، (كتاب النكاح وإجبة الداعي - باب إنما الرضاعة من المجاعة - ٤/ ٨٥)، برقم (١٤٧٧)؛ من طريق هناد، عن أبي الأحوص، عن أشعث؛ به مرفوعًا، بلفظ: "انظرن من إخوتَكُن من الرضاعة؛ فإنما الرضاعة عن المجاعة".
(٤) ينظر: أبو العباس القرطبي: المفهم (٤/ ١٨٨). ابن حجر: المصدر السابق، (١١/ ٣٨٥، ٣٨٧).
(٥) ينظر: ابن بطال: شرح صحيح البخاري (٧/ ١٩٧).

<<  <   >  >>