للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتحصل مما تقدم وجوب الاستئذان من المرضع، وزوجها، ومن الفحل الذي ينتسب إليه اللبن إن لم يعد زوجًا للمرضع، ومِن أبي الطفل أو وليه، ومَن عداهم تبع لهؤلاء؛ فإن وقع رضاع مع عدم إذنهم؛ انتشر به التحريم؛ إلا أن يقصد من الرضاع الإضرار، فيعامل مريد الضرر بنقيض قصده، ولا يقع من هذا الإرضاع الناشئ عن هذا القصد تحريم.

وأصل الكلام في هذه المسألة يعود إلى عدم اعتبار النية لإثبات التحريم من الرضاع عند تحقق الشرائط المقررة، وهذا مستفاد من تقريرات الفقهاء في مثل كلامهم على مسألة الإكراه في الرضاع؛ فإن المرضعة لو أكرهت على الرضاع؛ ثبت حكمه. (١)

المطلب الأول

إذن المرتضع - إذا كان كبيرًا -

الفرع الأول

حكم إذن المرتضع

لا يمكن للمرتضع الصغير أن يكون ذا رأي في رضاعه، بل هو في حكم القاصر الذي ينوبه في رأيه أبوه أو وليه، ويتخير له الأصلح.

أما المرتضع الكبير محل البحث كما هو عنوان المطلب؛ فهو محل الإذن لا وليه؛ لأنه مكلف قادر على التعبير عن نفسه.

ولأن أثر الرضاع متعدٍّ؛ أشبه النكاح؛ فيشرع استئذان أبي الطفل أو وليه، أو المرتضع إذا كان كبيرًا وثم حاجة (٢)، ولأن الأصل في المعاوضات أو التبرعات رضى المعاوض أو المتبرع.

الفرع الثاني

أثر إذن المرتضع في انتشار المحرمية

إن مفهوم تقريرات الفقهاء - رحمهم الله - الذين يقولون بعدم اشتراط مدة أو سن معين للرضاع؛ مطلقًا، أو عند الحاجة؛ هو عدم تأثير إذن المرتضع الكبير في تعلق التحريم من حليب الآدمية؛ وجودًا أو عدمًا، كما سيتضح ذلك من خلال عرض المسألة في المبحث الخامس من هذا الفصل.

غير أنه ينبغي أن يقيد تحقق أثر الرضاع بالرضاع الذي يراد به الإضرار، فيعامل قاصد الإضرار بنقيض قصده، ولا تنتشر به محرمية؛ لقول عمر - رضي الله عنه -: لا يحرم منها - أي: من الرضاعة - الضرار ا. هـ، والضرار: أن ترضع المرأة الولدين كي تحرم بينهما. (٣)


(١) ينظر: المرداوي: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٠ - ٢٣١).
(٢) ينظر في تفصيل هذه المسألة: المبحث الخامس من هذا الفصل.
(٣) رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقد تقدم تخريجه في المطلب السادس من المبحث الثالث للفصل الأول.

<<  <   >  >>