للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرع الثالث

تحويل الحليب أقطًا

يراد بالأقط ما كان لبنًا مخيضًا، وربما قيّد بالغنمي (١)، وذلك أنه إذا كثر الحليب في فصل الربيع؛ فإنهم يكونون قد نزعوا الزبدة منه للانتفاع منها سمنًا، ثم يطبخون اللبن بعد

ذلك حتى يعقد بفقدان مائه الذي يتبخر أثناء الطبخ، ثم يضعونه على هيأة أقراص تصنعها المرأة في داخل كفها؛ الأمر الذي يبدي أثر أصابعها فيه.

وقد بات هذا الطعام سائدًا عند العرب، حتى ضربت فيه الأمثلة، ومنها قولهم: أحد ياقط وأحد يتمنى الشنين؛ فالذي يأقط - يعني: يصنع الإقط - يكون لديه من اللبن ما يربو على حاجته، أما الذي يتمنى الشنين - هو: اللبن الذي شيب بماء كثير - فذاك الذي نقص عنده اللبن؛ المثل الذي يضرب لبيان تفاوت الحظوظ. (٢)

المطلب الثاني

حكم تحويل الحليب إلى أشكال أخرى

يجري تحويل الحليب إلى أشكال أخرى في حكمه على الأصل في الأشياء، وهو الإباحة؛ لعموم قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [سورة البقرة: ٢٩]، وما أخبر الله بذلك إلا لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع سوى ما ورد في الشرع المنع منه لضرره (٣)، وما يتشكل منه الحليب من خلقه سبحانه، وقولِ الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الأعراف: ٣٢]؟ ، فأنكر سبحانه على من حرَّم ما خلق الله لعباده من المآكل، والمشارب، والملابس، وتوابعها (٤)، وقوله جل ذكره: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [سورة البقرة: ١٦٨].


(١) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٣١٤).
(٢) ينظر: محمد بن ناصر العبودي: معجم الطعام والشراب في المأثور الشعبي (١/ ٢٧).
(٣) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (١/ ٤٥٣).
(٤) ينظر: ابن سعدي: القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، ضمن مجموع مؤلفات السعدي (٧/ ٧٨).

<<  <   >  >>