للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثالث

أحكام مدرات الحليب

الفرع الأول

حكم تصنيع مدرات الحليب

طلب الشارع الحكيم تحقيق مصلحة الإنسان في كل أحكامه, فشرع له ما فيه النفع, ودفع عنه ما فيه الضرر؛ لكي يتحقق له ما خلق من أجله من الخلافة في الأرض, وإخلاص العبادة فيها لله رب العالمين.

وشريعة الله تعالى ما تركت شيئًا من أمور الدين والدنيا إلا وعالجتها, ووضعت لها من الحلول التي ترفع الحرج عن كل الناس، وذلك بالنص عليها صراحة, أو بالنص عليها من خلال القواعد العامة التي يندرج تحتها كل حكم يشترك مع أخيه في علة واحدة, وذلك كقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: ١٥٧].

وقد جاءت نصوص الشريعة باعتبار المصالح الحقيقية؛ فأذنت أو أمرت بتحصيل أسبابها, وبإلغاء المصالح الوهمية أو المرجوحة؛ فمنعت من فعل أسبابها, وبقي بعد ذلك ما يجِدُّ للناس دون بيان صريح, واكتفت في ذلك بالبيان الجملوي؛ قال الله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلُّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيبَاتُ} [سورة المائدة: ٤].

وبهذا كانت المصالح ثلاثة أنواع:

أولها: نوع اعتبره الشارع.

ثانيها: نوع ألغاه الشارع.

ثالثها: نوع سكت عنه الشارع, فلم ينص على اعتباره, أو إلغائه. (١)

وبناء على ذلك؛ فإن الأصل في تصنيع مدرات الحليب المعاصرة الحل والإباحة؛ ما لم يغلب ضررها على نفعها، فإن الحكم حالتئذ يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

وإذا احتاج إليها فئام من المسلمين، أو توقفت عليها حياة بعض الرُّضَّع في ظل هيمنة الحياة المدنية الحديثة؛ صار تصنيعها وتوفيرها من الواجبات الكفائية.

<<  <   >  >>