للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثار الفقهاء هذه المسألة من القدم؛ حيث كان التجبين بطريقته البدائية، وكان اختلافهم في تعلق التحريم به مجبَّنًا على أقوال، هي:

القول الأول: إذا جبن لبن امرأة، وأطعمه الصبي جبنًا؛ ثبت به التحريم.

وبه قال بعض الحنفية (١)، وهو مذهب الشافعية (٢)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (٣).

القول الثاني: لا يحرم الحليب إذا جبن.

وبه قال أبوحنيفة (٤)، وبعض الحنفية (٥)، ووجه للحنابلة (٦)، وهو قول ابن حزم (٧).

- الأدلة:

أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:

١ - وصول اللبن إلى الحلق فالجوف، وحصول إنبات اللحم وإنشاز العظم بحصول التغذية؛ فحصل به التحريم، كما لو شربه. (٨)

٢ - إن ما تعلق به الحكم لم يفرق بين خالصه ومشوبه؛ كالنجاسة في الماء، والنجاسة الخالصة. (٩)

٣ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قاتل الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم، فجملوها ثم باعوه فأكلوا ثمنه" متفق عليه (١٠)، فحيث لم يتغير أصل الحكم بتغير وصف المحكوم عليه حين جملوه وأذابوه؛ فكذا حليب الآدمية؛ لا يتغير حكم تعلق المحرمية به إذا جمِّد أو جفف أو خلط بغيره أو جبِّن. (١١)

أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:

١ - إن اسم الرضاع لا يقع عليه. (١٢)

٢ - إنه لا ينبت لحمًا، ولا ينشز عظمًا. (١٣)

٣ - إن الصبي لا يكتفي به في الغذاء. (١٤)

٤ - إنه لا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع؛ يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا، ولا يسمى رضاعة، ولا إرضاعًا إلا أخذُ المرضع أو الرضيع بفيه الثديَ وامتصاصُه إياه؛ تقول: رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك؛ فلا


(١) الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٦).
(٢) ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٦/ ٨٣). النووي: المصدر السابق، (٩/ ٤).
(٣) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٤). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٩). المرداوي: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٤٣). البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٨٧).
(٤) ينظر: شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٩).
(٥) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٣).
(٦) خرجت على الرواية التي تقول: لا يثبت التحريم بالوجور. ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٥). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٩). المرداوي: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٤٣).
(٧) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٩).
(٨) ينظر: الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٣). النووي: المصدر السابق، (٩/ ٤). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٩). البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٨٧).
(٩) ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٨٨).
(١٠) البخاري: المصدر السابق، (كتاب البيوع - بابٌ لا يذاب شحم الميتة ولا يذاب ودَكُه وباب تحريم بيع ما حرم أكله - ٣/ ٢٣٩، كتاب التفسير - باب قول الله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} -٦/ ١٣٠)، برقم (٢٢٣٣، ٢٢٣٤، ٤٦١٢)؛ من طريق الحُميدي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر؛ به مرفوعًا، بلفظ المتن، ومن طريق عبدان، عن عبد الله، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيَّب، عن أبي هريرة؛ به مرفوعًا، بلفظ: "فباعوها وأكلوا أثمانها"، ومن طريق عمرو بن خالد، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن جابر؛ به مرفوعًا، بلفظ: ". . . لما حرم الله عليهم شحومها؛ جملوه، ثم. . . ". مسلم: المصدر السابق، (كتاب البيوع - باب تحريم بيع الميتة والأصنام والخنازير- ٤/ ٢٧٦)، برقم (١٦١٧ - ١٦٧٩)؛ من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث؛ بسنده عند البخاري مرفوعًا، ولفظه: "أجملوه"، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة - واللفظ له -، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم؛ عن سفيان بن عيينة؛ بسنده عند البخاري، ولفظه: "لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها"، ومن طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن ابن شهاب؛ بسنده عند البخاري، ولفظِه.
(١١) أفدته من شيخي خالد الهويسين؛ من خلال سؤالي إياه ومناقشتي معه بتاريخ ٢٣/ ١١/١٤٣٦ هـ.
(١٢) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٣).
(١٣) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٣).
(١٤) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٣).

<<  <   >  >>