للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السادسة: تعدد الرضعات في أحد الطرفين.]

صورة المسألة: إذا حلبت مرضعة حليبها في إناء خمس حلبات في خمسة أوقات، ثم سقته الرضيع دفعة واحدة، أو حلبته دفعة واحدة، ثم سقته غلامًا في خمسة أوقات؛ فقد اختلف الفقهاء فيما يثبت في ذلك من الرضعات، على ما يأتي:

القول الأول: الاعتبار بخروج اللبن من المرضع؛ فما خرج دفعة واحدة؛ فهو رضعة، ولو سقيه الصبي على دفعات، وما خرج دفعات؛ فهو رضعات بعددها، ولو جمعت عدة رضعات، فسقي بها الصبي؛ مرةً واحدة.

وهو منسوب إلى الشافعي (١)، ووجه عند الشافعية في الصورة الأولى؛ استظهره النووي (٢)، وعلى الصورة الثانية مذهب الشافعية (٣)، وبه قطع النووي (٤).

القول الثاني: الاعتبار بوصول اللبن للرضيع؛ فما يرتضعه الطفل في الوجبة الواحدة؛ فهو رضعة واحدة، ولو حلب على دفعات، وما يرتضعه الطفل عدة مرات حتى يسد جوعته عدة مرات؛ فهو عدة رضعات بعدد ما يرتضع حتى يمسك بنفسه ويسكن جوعه، ولو كان قد حلب دفعة واحدة.

وهو مذهب الحنابلة (٥)، ووجه للشافعية (٦).

وقبل الانتقال إلى الأدلة أشير إلى أن هذه المسألة لا ترد على أصل أبي حنيفة (٧)، ومالك (٨)، وغيرهما (٩)؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم، من دون اشتراط عدد.

ولا ترد أيضًا على أصل داود وابن حزم في اشتراط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة لثبوت التحريم باللبن (١٠)؛ لأن الحلب أو السقي على دفعات، يقتضي الإيجار، والوجور هو صب اللبن في الفم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (١١)، واختيار أبي بكر من الحنابلة (١٢).

- الأدلة:

أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:

١ - إن الاعتبار بالرضاع، والوجور فرعه. (١٣)

أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:

١ - كما لو جعل الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات، ثم أكله دفعة واحدة؛ كان أكلة واحدة. (١٤).

٢ - إن شرب الصبي هو المحرِّم، ولذلك كان الاعتبار به في ألبان الآدميات، من دون رضاع مباشر من الثدي. (١٥)

٣ - إنه لو ارتضع بحيث يصل الحليب إلى فيه، ثم مجه؛ لم يثبت التحريم، فكان الاعتبار بشرب الصبي؛ فإذا سقته المرضع في أوقات، فقد وجد في خمسة أوقات، ولو لم يحلب إلا دفعة واحدة.

- الترجيح: الراجح مراعاة حال الرضيع، وتقدير الرضعة بما يشبعه من الألبان أيًّا كانت طريقة الورود وعدد مرات حلبه؛ لأن خطاب الشارع في إثبات التحريم مناط بالمرتضع، وذلك في مثل ضمير الغائب الذي جاء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للزانية: "اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه" (١٦)، وقوله لسهلة بنت سهيل - رضي الله عنها -: "أرضعيه "


(١) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٤).
(٢) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٩).
(٣) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٩).
(٤) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٩).
(٥) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٤). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٣٨).
(٦) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٩).
(٧) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٥). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٣٩٩). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٧٥).
(٨) ينظر: القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧٤).
(٩) ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (٢/ ٤٤٤). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧١).
(١٠) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٩ - ١٠). ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٣). شمس الدين ابن قدامة (٢٤/ ٢٣٧).
(١١) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٣). شمس الدين ابن قدامة (٢٤/ ٢٣٦). البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٨٧).
(١٢) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٣). شمس الدين ابن قدامة (٢٤/ ٢٣٦).
(١٣) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٤).
(١٤) ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٤).
(١٥) ينظر: المبحث الأول من الفصل الثالث.
(١٦) تقدم تخريجه في الفرع الثاني من المطلب الثالث للمبحث الثاني في الفصل الأول.

<<  <   >  >>