للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السفر علة كافية في الترخص ولو لم تتوافر حكمة المشقة، ولو توافرت المشقة للحاضر؛ لم يقصر الصلاة؛ لأن علة السفر غير موجودة وإن وجدت حكمة المشقة.

أجيب: بعدم التسليم لكون الحولين علةَ التحريم في باب الرضاع، وكل ما جاء في التقدير بالحولين لا يخلو من أن يكون أمرًا على المولود لها بالرضاع فيهما، أو أن يكون ضعيفًا في سنده (١).

والعلة التي دل عليها الدليل الشرعي الصحيح ثم النظر العقلي الصريح هي سد جوعة الرضيع (٢)، وذلك ما يورث عظام الرضيع اشتدادًا وقوة، وينبت لحمه (٣)، ويبقي عليه مهجته؛ لأنه يتعيش عليه فقط.

ولا ترد هذه المسألة على أصل أبي حنيفة (٤)، ومالك (٥)، وغيرهما (٦)؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم، ولا على أصل من يسقط اعتبار المدد في التحريم الرضاعي، وهو ما روي عن طائفة من الصحابة (٧)، والتابعين (٨)، ومذهب الظاهرية (٩).

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:

١ - لو ارتضع بعد الحولين بساعة؛ لم يحرم في مقتضى مذهب الحنابلة، وبه قال أبو الخطاب (١٠)، وهو مفهوم قول الشافعي وأصحابه.

٢ - لو شرع في الرضعة الخامسة، فحال الحول قبل كمالها؛ لم يثبت التحريم فيما قال به القاضي أبو يعلى الحنبلي (١١)، خلافًا لغيره من الحنابلة (١٢)، وخلافًا للشافعي وأصحابه في مفهوم قولهم.

٣ - لو توبع رضاع صبي؛ فلم يفصل ثلاثة أحوال أو حولين أو ستة أشهر بعد الحولين أو أقل أو أكثر، فأرضع بعد الحولين؛ لم يحرم الرضاع شيئًا في مذهب الشافعي، وكان بمنزلة الطعام والشراب (١٣)، وهو ظاهر مذهب الحنابلة.

٤ - لو أرضع في الحولين أربع رضعات، وبعد الحولين الخامسة وأكثر؛ لم يحرم، ولا يحرم من الرضاع إلا ما تم خمس رضعات في الحولين، وذلك ما صرح به الشافعي فيما ذهب إليه (١٤)، وهو ظاهر مذهب الحنابلة.

[المسألة الخامسة: الشك في عدد الرضعات.]

صورة المسألة: إذا تُيُقِّنَ من وقوع الرضاع وشُكَّ في عدده؛ هل أرضعته خمسًا، أو دونها؟ فهل ثمة تحريم؟

لا ترد هذه المسألة على أصل أبي حنيفة (١٥)، ومالك (١٦)، وغيرهما (١٧)؛ ممن يكون عنده قليل الرضاع ككثيره في التحريم بالرضاع، لكن الفقهاء الذين يشترطون عددًا مجزئًا


(١) ينظر في تخريج أحاديث الضابط السابع من ضوابط المبحث الثالث في التمهيد.
(٢) تقدم قريبًا ما روي مرفوعًا: "إنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه.
(٣) وفي ذلك روي من المرفوعات: "إنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم"، وينظر في تخريجها: الضابط السابع من المبحث الثالث في التمهيد.
(٤) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٥). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٣٩٩). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٧٥).
(٥) ينظر: القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧٤).
(٦) ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (٢/ ٤٤٤). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧١).
(٧) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٢٤ - ٢٥) القرطبي: المصدر السابق، (٣/ ١٦٣). ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٩). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٢٧، ٢٢٨). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧٩).
(٨) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٢٥). القرطبي: المصدر السابق، (٣/ ١٦٣). ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٩). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٢٨). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧٩).
(٩) ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٣٠).
(١٠) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣٢١).
(١١) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣٢١).
(١٢) وعللوا لذلك بأن ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم؛ بدليل ما لو انفصل مما بعده؛ فلا ينبغي أن يسقط حكم بإيصال ما لا أثر له به. ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣٢١).
(١٣) ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٦/ ٨٣).
(١٤) المصدر السابق.
(١٥) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٥). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٣٩٩). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٧٥).
(١٦) ينظر: القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧٤).
(١٧) ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (٢/ ٤٤٤). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧١).

<<  <   >  >>