للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونبات اللحم، وهذا المعنى هو الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم؛ كما لو فصل هذا الحليب المخلوط بالدواء وشرب لوحده.

فإن قيل: إن العبرة بالحقائق والمعاني لا بمحض مسمى الحليب؛ لأن الألفاظ والمباني لا تغير من الحقيقة، أو تغني من الحق؛ شيئًا.

أجيب: بأن وجود الحليب في المخلوط حقيقةٌ، ولما كان يستدل على المسميات بأسمائها؛ ألحق الترجيح بما يظن معه وجود الحليب وأنه لم يستهلك في الدواء إذا غلبه، وذلك بالأمارة الآتية، وهي أن يبقى إطلاق اسم الحليب عليه؛ ممن ينظر إليه، أو يتذوقه، أو يفحصه، ونحو ذلك.

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر فيما يأتي:

١ - إذا خلط مع حليب الآدمية أدوية حافظة أو علاجية في بعض المؤسسات العلاجية أو المعنية بجمع الحليب؛ لم يكن ذلك سببًا في إزالة وصف التحريم عنه حتى يزول مسمى الحليب.

- سبب الخلاف: يرجع منشأ الخلاف في هذه المسألة إلى الاختلاف في مسائل، منها:

١ - اشتراط التقام الثدي لثبوت التحريم؛ فمن اعتبر وصول الحليب إلى المعدة دون الوسيلة - وهم الجمهور (١) -؛ أثبت تعلق التحريم بالحليب المخلوط بالدواء، على اختلاف قيوداتهم، ومن اشترط امتصاص الراضع من ثدي المرضعة بفيه ليكون الرضاع محرمًا - وهو ابن حزم (٢) -؛ منع من تعلق التحريم باللبن المخلوط بالدواء.

[المسألة الثانية: اختلاط حليب الآدمية بغيرها من الآدميات.]

اختلف الفقهاء فيما يتعلق به التحريم من ألبان الآدميات المخلوطة ببعضها، والخلاف في هذه المسألة جارٍ عند من لا يشترط التقام الثدي لثبوت التحريم، وأقوالهم في ذلك هي:

القول الأول: إذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما وأغلبهما.

وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف (٣)، وهو مذهب المالكية (٤)، ووجه عند الشافعية (٥).

القول الثاني: إذا اختلط لبن امرأتين تعلق بهما التحريم مطلقاً؛ يعني: تساويا، أو تغالبا؛ كما لو ارتضع من كل واحدة منهن.

وهو مروي عن أبي حنيفة (٦)، وبه قال محمد بن الحسن (٧)، ورجحه الطحاوي وجماعة من الحنفية، وصححوه مذهباً (٨)، واستظهره بعضهم احتياطاً (٩)، وهو قول عند الشافعية (١٠)، ومذهب الحنابلة (١١).

- الأدلة:

أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:

١ - إن الكل صار شيئًا واحدًا؛ فيجعل الأقل تبعاً للأكثر في بناء الحكم عليه. (١٢)

٢ - قياسًا على الماء والطعام؛ إذا غلبا على اللبن، أو غلب اللبن عليهما. (١٣)


(١) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤٠١ - ٤٠٢، ٤١٤). القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧٦). النووي: المصدر السابق، (٩/ ٦). ابن قدامة: المصدر لسابق، (١١/ ٣١٣).
(٢) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٩).
(٣) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٧٧). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٢). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٤).
(٤) القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧٦).
(٥) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٦).
(٦) ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١١ - ٤١٢). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٤).
(٧) الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٧٧). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٢). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٤).
(٨) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٧٧). ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٢). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٤ - ٨٥).
(٩) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤١٢). الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٥).
(١٠) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ٦).
(١١) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣١٦). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
(١٢) الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٨٤).
(١٣) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٧٧).

<<  <   >  >>