للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدم في المطلب الآنف بيان ما على الطبيب من مسؤولية تجاه المريض، فإذا أدى الطبيب ما عليه؛ صار المريض على وعي تام وإدراك لآثار العلاج الذي يتضمن استخدام الوسائل الحديثة في جميع مراحل المرض؛ كالعقاقير المدرة للحليب، وموانع دره، ومن ثم إذا تضرر المعالج بعد إذنه بالدواء (١)؛ فلا شيء على الطبيب إذا كان حاذقًا في صنعته، ولم تجن يده (٢)؛ لما يأتي:

١ - قول الحق جل ذكره: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [سورة التوبة: ٩١]. (٣)

٢ - إن كل فعل نشأ عن الفعل المباح المأذون فيه؛ فليس بالمضمون. (٤)

٣ - إنما فعل ذلك الطبيب للصلاح بأمر المفعول به. (٥)

٤ - إن التزام الطبيب في علاج المريض هو التزام ببذل عناية، لا بتحقيق نتيجة (٦)، وأصل مشارطة الطبيب على البرء غير جائزة في باب الإجارة؛ لأن البرء بيد الله تعالى لا بيد أحد، وإنما الطبيب معالجٌ ومقوٍّ للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء؛ فالبرء لا يقدر عليه إلا الله تعالى (٧).

ولا يلقي الكثيرُ من الأطباء بالًا لتبصير المريض بآثار علاجه وتعريفه بمرضه؛ إما لداعي السرعة، أو ضعف ثقافة المريض؛ لكنَّ الذي يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم من دواعي التفريط ليس مسوِّغًا لعدم إعطاء المريض حقه من التبصير، أو مُعْفِيًا من المسؤولية. (٨)

فإذا فرط الطبيب في علاج المريض، أو تعدى؛ ضمن (٩)؛ لأنه لا يخلو حينئذ من تعدٍّ أو تفريط.


(١) ينظر: د. محمد المختار الشنقيطي: المصدر السابق، (ص ١٦٣ - ١٦٥). الجمعية العلمية السعودية للدراسات الطبية الفقهية: الفقه الطبي (ص ٧٦ - ٨١).
(٢) وزاد الشافعي قيدًا في قوله: إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى ا. هـ، ولعله أراد بهذا ما كان من قبيل الديانة فيما بينه وبين الله؛ لأن الأحكام الشرعية وما تفرع منها من الأقضية إنما تبنى على ما كان محسوسًا من الدلالات والقرائن المفصحة عن قصد فاعلها. ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٧/ ٤٣٢). وينظر: القرافي: المصدر السابق، (١٢/ ٢٥٧). ابن قدامة: المصدر السابق، (٨/ ١١٧). ابن القطان الفاسي: الإقناع في مسائل الإجماع (٤/ ١٩٥٤).
(٣) ينظر: قمر أبو لبة: المصدر السابق، (ص ١٨٣).
(٤) ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٧/ ١٢٥). القرافي: المصدر السابق، (١٢/ ٢٥٧). ابن قدامة: المصدر السابق، (٨/ ١١٧).
(٥) ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٧/ ٤٣٢).
(٦) ينظر: قمر أبو لبة: المصدر السابق، (ص ١٨١).
(٧) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (٨/ ١٢٢). ابن حزم: المصدر السابق، (٨/ ٢٦٣).
(٨) ينظر: قمر أبو لبة: المصدر السابق، (ص ١٧٩).
(٩) ينظر: سحنون: المصدر السابق، (١١/ ١٣٧). القرافي: المصدر السابق، (١٢/ ٢٥٧). ابن قدامة: المصدر السابق، (٨/ ١١٧).

<<  <   >  >>