للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة الأولى: تؤخذ بويضة من الزوجة وتلقح بماء زوجها ثم تعاد اللقيحة إلى امرأة تستأجر لذلك؛ لآفة في رحم الزوجة أو أن هذا الرحم قد استئصل بعملية جراحية, أو أن المرأة لا تريد مشقة الحمل والولادة؛ فنستأجر أخرى لتحمل عنها, وتعتبر الأم البديلة هنا طرفًا ثالثًا خارجًا عن نطاق الزوجين، وهي ما اتفق المعاصرون على تحريمها؛ لأن استئجار الرحم لأجل الحمل عقد إجارة غير شرعي, والإجارة على المحرم محرمة, والمرأة لا تملك تأجير رحمها؛ فلا تباح بالإباحة, لأن للرحم منفذًا من الفرج, والأصل في الفروج الحرمة؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سورة المؤمنون: ٥ - ٧]، والعادون هم المجاوزون الحد؛ من عدا إذا جاوز الحد وجازه, وقال سبحانه: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [سورة الاحزاب: ٣٥]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم (١)؛ فقوله عليه الصلاة والسلام: "استحللتم"؛ أي: طلبتم الحل بعقد الزواج بعد أن كان محرمًا أصلًا, وهذا قاطع في أن الأصل في المناكِح المنع والحظر, والأصل في الأبضاع التحريم؛ فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة.

كما أن العقد على إجارة الرحم يعد إجارة لمنفعة الرحم ابتداءً, ولكن في الحقيقة هو بيع للطفل المولود انتهاءً, وبيع الحر حرام.

وقد يقال: إن في نقل بويضة امرأة إلى رحم امرأة أخرى معنًى إنسانيًّا، وهو أننا نوفر للمرأة المحرومة من الولد لفقدها الرحم الصالح للحمل ما تشتاق إليه من الأطفال عن طريق امرأة أخرى صالحة للحمل , ولكل إنسان حق في أن يكون له ولد، والرغبة في الحصول على الولد مع وجود أسباب طبية تمنع المرأة من الحمل تعتبر في مرتبة الحاجيات.

وتطبيق معنى الحاجة في خصوص تأجير الأرحام لا يسلم؛ لأن دفع الحاجة إلى التنعم بالولد لمن حرم منه عن طريق الرحم البديل، وإن كان مصلحة؛ إلا أن المفاسد المترتبة على


(١) ينظر: مسلم: المصدر السابق، (كتاب المناسك - باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم - ٣/ ٤٦٦)، برقم (١٢٣١)؛ من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم؛ عن حاتم بن إسماعيل المدني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر؛ به مرفوعًا.

<<  <   >  >>