للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى الناظر في عامة الأقوال أنها تعطف خاصًّا على عام؛ حينما تجعل الضابط هو العرف، ثم تتبع ذلك بما جرى عليه عرفهم في اعتبار الرضعة، والصواب من كل ذلك ما يجرى عليه عرف كل زمان مما يكون مظنة انفتاق الأمعاء وانشقاقها بالحليب؛ لأن عدد الرضعات ورد مطلقًا.

وحيث كان العرف هو المعتمد في حساب الرضعات المحرِّمة؛ فقد اجتهد فقهاء الإسلام في توضيح معالم الرضعة المجزئة بضرب الأمثلة على ما اقتضاه عرفهم، والعرف عند نساء زماننا للرضعة يتجه إلى الوجبة المشبعة من الحليب بغض النظر عن العوارض أثناء الارتضاع، وهذا أمر أعرفه في بلادنا نجد، ولا مانع من اختلاف الأحكام العرفية إزاء العوارض الغير متناهية أثناء عملية الرضاعة في الأقطار أخرى.

غير أن الاختلاف العرفي في اعتبار الرضعة بحسب المكان والزمان ينبغي أن يكون يسيرًا؛ لأن الرضاع المحرم هو ما ينبت اللحم ويشد العظم ويقوي البدن، ولما كان كذلك؛ أناط الشارع إثبات التحريم الرضاعي بخمس رضعات؛ إذ كانت الرضعات الخمس مظنة القدر الذي يسد الجوعة قطعًا بحيث ينتفع به بدن الرضيع ويشتد.

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:

١ - إذا انتقل الرضيع من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى، فللشافعية وجهان نصوا عليهما: الأول: يحسب لكل واحدة رضعة؛ لأن الاشتغال بالارتضاع من الأخرى قطع الارتضاع من الأولى، فصار كالاشتغال بشيء آخر، وهو الأصح عندهم. الوجه الثاني: لا يحسب لواحدة منهما رضعة. (١)

٢ - إذا كان لرجل زوجتان؛ حلبت كل واحدة من لبنها دفعة، ثم خلطا، فشربه مرتين؛ فإن حسب لكل واحدة رضعتان اعتبارا بوصول اللبن وفق إحدى الوجهين عند الشافعية؛ ثبت للزوج أربع رضعات، وإن حسب لكل واحدة رضعة اعتبارا بالحلب كما هو الوجه الثاني لدى الشافعية؛ ثبت للزوج رضعة واحدة. وهذا بناء على الوجه الأول عند الشافعية في رضاع نساءٍ فحلهن واحد، وتأتي المسألة قريبًا - إن شاء الله تعالى -، وأما على الوجه الثاني عند


(١) ينظر: النووي: المصدر السابق، (٩/ ١٢).

<<  <   >  >>