للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستئذان من المرضعة، ولأن أبا الطفل أو وليه هو القيم شرعًا على مصالح الطفل؛ فلا يُفتات عليه في ذلك، وقد يكون في الإرضاع ضرر على الصبي ولو كان بغير عوض.

ويمكن أن يستدل لذلك أيضًا بما يأتي:

٢ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك؛ فاضربوهن ضربًا غير مبرح" رواه مسلم (١)، فإذا كان لا يحل للزوجة أن تدخل أحدًا يتحدث معها في بيت زوجها - إذا كان يكره ذلك - حتى يأذن (٢)، وهو أمر وقتي، لا أثر له في الآجل؛ فلأن لا يحل لها أن ترضع أحدًا من غير ولدها بغير إذن زوجها؛ من باب أولى، بل إن الإرضاع متفرع عن مادة الفراش المذكورة في الحديث.

٣ - أصل الاستئذان في الشريعة الإسلامية، في مثل قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [سورة النور: ٢٧]؛ أي: حتى تستأذنوا (٣)، فكما يجب الاستئذان في الدخول الجسدي إلى البيوت مع أبوابها، فكذلك الشأن في الدخول على البيوت بالتحريم الرضاعي المتأثر عن الإرضاع.

وأما الحكم الوضعي؛ فالأصل فيه ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سئل: ما يحرم من الرضاع؟ فكتب إلى السائل: إنه لا يحرم منها: الضرار، والعفافة، والملجة؛ فالضرار: أن ترضع المرأة الولدين كي تحرم بينهما، والعفافة: الشيء اليسير الذي يبقى في الثدي، والملجة: اختلاس المرأة ولد غيرها فتلقمه ثديها ا. هـ (٤)، وهذا ما يمكن أن يدل على أن الرضاع يبطل أثره إذا كان غير مأذون فيه؛ فلا ينشر من الحرمة شيئًا.


(١) تقدم تخريجه في المطلب الأول من المبحث الحادي عشر للفصل الأول.
(٢) وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب؛ لا يرون ذلك عيبًا، ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب، وصارت النساء مقصورات؛ نهى عن محادثتهن، والقعود إليهن، وليس المراد بوطء الفرش هاهنا نفس الزنا؛ لأن ذلك محرم على الوجوه كلها، فلا معنى لاشتراط الكراهية فيه، ولو كان المراد به الزنا لكان الضرب الواجب فيه هو المبرح الشديد والعقوبة المؤلمة؛ من الرجم دون الضرب الذي ليس بمبرح. ينظر: الخطابي: المصدر السابق، (٢/ ١٣٣).
(٣) البغوي: معالم التنزيل (ص ٩٠١).
(٤) رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقد تقدم تخريجه في المطلب السادس من المبحث الثالث للفصل الأول.

<<  <   >  >>