ونوقش استدلالهم بالآية: بأنها تطيق القضاء، فلزمها كالحائض والنفساء، والآية أوجبت الإطعام ولم تتعرض للقضاء، فأخذناه من دليل آخر. ونوقش استدلالهم بالحديث: بأن الوضع في الصوم يراد به مدة عذرهما؛ كما جاء في حديث عمرو بن أمية مرفوعًا: "إن الله وضع عن المسافر الصوم"، ويأتي تخريجه. وحكي هذا القول عن سعيد بن جبير، وقتادة، وسعيد بن المسيب؛ استظهارًا من قوله. وعند تأمل فتاوي بعض من وافق أصحاب هذا القول من السلف، فيمكن أن نحتمل تأويل قولهم بأنه كذلك حتى تستطيع المرضع الصيام. ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (٤/ ٢١٦ - ٢١٧). ابن قدامة: المصدر السابق، (٤/ ٣٩٥)؛ معلَّقًا. ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (٦/ ٣١١)؛ من طريق إسماعيل بن إسحاق، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر؛ عن نافع؛ أن امرأة من قريش سألت ابن عمر - وهي حبلى -، فقال لها: أفطري، وأطعمي كل يوم مسكينًا، ولا تقضي. ومن طريق إسماعيل بن إسحاق، عن الحجاج بن منهال، عن حماد، عن أيوب، وقتادة؛ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه قال لأمَة له مرضع: أنت بمنزلة {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [سورة البقرة: ١٨٤]؛ أفطري، وأطعمي كل يوم مسكينًا، ولا تقضي. (٢) وخالف ابن حزم، فقال: لا قضاء عليها ولا إطعام، وأسنده إلى ابن عباس من طريق إسماعيل بن إسحاق، عن إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس؛ أنه سئل عن مرضع في رمضان خشيت على ولدها، فرخص لها ابن عباس في الفطر. ثم أردف أبو محمد: ولم يذكر قضاءً ولا طعامًا ا. هـ، كما قد نسبه الترمذي إلى إسحاق، وزاد: وإن شاءتا قضتا ا. هـ ونسبَ الشوكاني إلى مالك، وأبي ثور، وداود؛ أنهم قالوا: إن جميع الإطعام منسوخ ا. هـ ثم وجدتُّ أثرًا عن ابن عباس أو ابن عمر - شك الراوي - صححه الدارقطني في سننه برقم (٢٣٨٥)؛ من طريق أبي صالح، عن أبي مسعود، عن محمد بن يوسف، عن سفيان، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أو ابن عمر؛ قال: الحامل والمرضع تفطر، ولا تقضي ا. هـ واستُدل على عدم القضاء: بأن إيجاب القضاء عليها شرعٌ لم يأذن الله تعالى به، وعلى عدم الإطعام: بالمرفوع الذي تقدم تخريجه قريبًا: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام"؛ فلم يجز لأحد إيجاب غرامة لم يأت بها نص أو إجماع. ويمكن أن يكون الجواب: بأن عدم ذكر القضاء والإطعام ليس ذكرًا لعدمهما، وقد جاء عن ابن عباس ما يدل على أخذه بالقضاء، فيجمع مع هذا، ولا تعارض، والله تعالى أعلم. ينظر: الترمذي: المصدر السابق، (٢/ ٨٦). الدراقطني: السنن (٣/ ١٩٨). ابن حزم: المصدر السابق، (٦/ ٣١٠ - ٣١١). الشوكاني: المصدر السابق، (٢/ ٣١٤). (٣) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٣/ ٤٠٣). (٤) ينظر: النووي: روضة الطالبين (٢/ ٣٨٤).