، وَالْمَفْرُوضَاتُ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمِمَّا يَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] ، وَأَخْبَارٌ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَوُجِدَ صَحِيحًا تَأَمَّلْ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَالْمَفْرُوضَاتُ مِنْهَا إلَخْ) وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ كَسَنَةٍ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَلْ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» وَهُوَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِقَامَةِ الْأَعْيَادِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَيُصَلِّي الْوِتْرَ وَالتَّرَاوِيحَ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَمَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ مِنًى وَكَذَا الْعِدَّةُ وَحِينَئِذٍ، يُقَالُ لَنَا: امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ ح ل فَقَوْلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ أَوَّلَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ. (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهَا مُشَابِهٌ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأَمُّلٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مُخْتَصٌّ بِالْمُدْرَكِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ. وَأَيْضًا الضَّرُورِيُّ لَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْأَدِلَّةُ، وَقِيلَ إنَّ الْكَافَ تَعْلِيلِيَّةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِعِلْمِ ذَلِكَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ مِنْ الدِّينِ أَيْ مِنْ أَدِلَّتِهِ وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يَأْتِي عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْضِهَا وَعَدَدِهَا شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ عَلَى أُمَّتِي) أَيْ وَعَلَيَّ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ: وَاَلَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي أَنَّ الْخَمْسِينَ لَمْ تُنْسَخْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ. اهـ وَعِبَارَةُ ع ش وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهَا فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَمَّا صَلَاةُ اللَّيْلِ فَنُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قَدَّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَيْثُ غَسَلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَمُلِئَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَتْحُ الْبَارِي، وَفِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ. وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً ثُمَّ نُسِخَتْ شَوْبَرِيٌّ، وَكَانَتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ سَابِعَ عَشَرَيْ رَجَبٍ وَقِيلَ سَابِعَ عَشَرَيْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَاعْتَمَدَهُ م ر وَقِيلَ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ بِثَلَاثِ سِنِينَ ح ل (قَوْلُهُ خَمْسِينَ صَلَاةً) هَلْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ هَذِهِ الْخَمْسُ مُكَرَّرَةٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَوْ كَانَ مَا عَدَا الْخَمْسِ مِنْ الْخَمْسِينَ صَلَوَاتٍ أُخَرَ مُغَايِرَةً لِلْخَمْسِ، فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ إلَى الْآنَ عَلَى شَيْءٍ ع ن، وَنَقَلَ السُّيُوطِيّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَلَوَاتٌ أُخْرَى فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، بَلْ هِيَ الْخَمْسُ مُكَرَّرَةٌ كُلٌّ مِنْهَا عَشْرُ مَرَّاتٍ ع ش، أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشْرٌ، وَنَقَلَ ع ش عَلَى م ر فِي قَوْلِهِ أُخْرَى أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ عَشْرُ صَلَوَاتٍ، كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَانِ حَتَّى فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ وَالْكَمِّيَّةَ لَمْ تُعْلَمَا.
(قَوْلُهُ فَلَمْ أَزَلِ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِرْشَادٍ مِنْ مُوسَى حِينَ مَرَّ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْهُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى كَلِيمٌ وَمِنْ شَأْنِ الْكَلِيمِ التَّكَلُّمُ وَلِأَنَّهُ اُخْتُبِرَ قَوْمُهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ فَعَجَزُوا عَنْهَا، وَذَلِكَ شَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِهِ خَلِيلًا وَمِنْ شَأْنِ الْخَلِيلِ التَّسْلِيمُ. وَأَيْضًا لَمْ يُخْتَبَرْ قَوْمُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. فَإِنْ قُلْت فَهَلْ مَا وَقَعَ مِنْ النَّبِيِّ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ كَانَ اجْتِهَادًا مِنْهُ أَمْ لَا؟ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُحَيِّي الدِّينِ أَنَّهُ كَانَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى إنَّ أُمَّتَك لَا تُطِيقُ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ بَقِيَ مُتَحَيِّرًا مِنْ حَيْثُ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى رَدِّ أَمْرِ رَبِّهِ فَأَخَذَ فِي التَّرْجِيحِ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ أَوْلَى وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاجْتِهَادِ فَلَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنْ يُرَاجِعَ رَبَّهُ رَجَعَ بِالِاجْتِهَادِ إلَى مَا يُوَافِقُ قَوْلَ مُوسَى. اهـ مِنْ الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ.
(قَوْلُهُ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) أَيْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ ع ش وَفِي سِيرَةِ ح ل أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ رَكْعَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute