(عِنْدَ مَنْ اخْتَارَهُ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ (، وَخُيِّرَ) الْمُمَيِّزُ (بَيْنَ أُمٍّ) ، وَإِنْ عَلَتْ (، وَجَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَوَاشِي) كَأَخٍ، أَوْ عَمٍّ، أَوْ ابْنِهِ كَالْأَبِ بِجَامِعِ الْعُصُوبَةِ (كَأَبٍ) أَيْ: كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبٍ (وَأُخْتٍ) لِغَيْرِ أَبٍ (أَوْ خَالَةٍ) كَالْأُمِّ (وَلَهُ بَعْدَ اخْتِيَارٍ) لِأَحَدِهِمَا (تَحَوُّلٌ لِلْآخَرِ) ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ. قِيلَ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ سَبَبَ تَكَرُّرِهِ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ تُرِكَ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ، وَقَوْلِي، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَوَاشِي أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا أَخٌ، أَوْ عَمٌّ لَكِنْ قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ التَّخْيِيرَ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْعَمِّ بِالذَّكَرِ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُشْتَهَاةَ لَا تُسَلَّمُ لَهُ كَمَا مَرَّ (، وَلِأَبٍ) مَثَلًا (إنْ اُخْتِيرَ مَنْعُ أُنْثَى لَا ذَكَرٍ زِيَارَةَ أُمٍّ) لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ، وَعَدَمِ الْبُرُوزِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يُمْنَعُ زِيَارَتَهَا؛ لِئَلَّا يَأْلَفَ الْعُقُوقَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ، وَخَرَجَ بِزِيَارَةِ الْأُمِّ عِيَادَتُهَا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
(، وَلَا يَمْنَعُ أُمًّا زِيَارَتَهُمَا) أَيْ: الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى (عَلَى الْعَادَةِ) كَيَوْمٍ فِي أَيَّامٍ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ دُخُولِهَا بَيْتَهُ، وَإِذَا زَارَتْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ (
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ اخْتَارَهُ مِنْهُمَا) ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْيِيرُ الْوَلَدِ، وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُخْتَارُ مِنْ كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الْآخَرُ فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا أُعِيدَ التَّخْيِيرُ، وَإِنْ امْتَنَعَا، وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لَهَا كَجَدٍّ، وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَالَةِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: خَيَّرَ غُلَامًا) ، وَإِنَّمَا يُدْعَى بِالْغُلَامِ الْمُمَيِّزُ شَرْحُ م ر لَكِنْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْغُلَامُ الِابْنُ الصَّغِيرُ ثُمَّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَسَمِعْت الْعَرَبَ تَقُولُ لِلْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ ذَكَرًا غُلَامٌ فَلَمْ يُخَصِّصُوا الْغُلَامَ بِالْمُمَيِّزِ ع ش عَلَى م ر، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرَهُ اصْطِلَاحٌ شَرْعِيٌّ، وَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْحَوَاشِي) أَيْ: الذُّكُورِ الْعَصَبَاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بِجَامِعِ الْعُصُوبَةِ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ ابْنِهِ) أَيْ: ابْنِ كُلٍّ مِنْ الْأَخِ، وَالْعَمِّ (قَوْلُهُ: كَأَبٍ، وَأُخْتٍ، أَوْ خَالَةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى سَائِرِ الْحَوَاشِي، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْأُخْتُ، وَالْخَالَةُ فَالْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا، وَمُقْتَضَى مَا هُنَا أَنَّ الْمَحْضُونَ كَانَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْأُخْتِ، أَوْ الْخَالَةِ، وَيُخَيَّرُ بَعْدَهُ بَيْنَ مَنْ كَانَ عِنْدَهَا، وَبَيْنَ الْأَبِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ رَأَيْت فِي سم مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَخُيِّرَ مُمَيِّزٌ بَيْنَ مُسْتَحِقَّةٍ، وَأَحَقَّ قَالَ شَارِحُهُ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ بَيْنَ الْأَبِ، وَالْأُخْتِ، وَلَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْخَالَةِ قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْإِفَادَةِ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُسْتَحِقَّةِ الَّتِي تَلِي الْأَبَ فِي الرُّتْبَةِ كَأُمِّهِ، وَالْأُخْتُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ تَرْجِيحِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَبِ، وَالْأُخْتِ، وَبَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْخَالَةِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَبِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَكِنْ م ر كَالشَّارِحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ أَيْ: قَوْلُهُ: كَأَبٍ، وَأُخْتٍ بِمَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْأَبِ، أَوْ لَا فَإِنَّهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْأُخْتِ عِنْدَ فَقْدِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِهَذَا.
(قَوْلُهُ: لِغَيْرِ أَبٍ) أَيْ: شَقِيقَةٍ، أَوْ لِأُمٍّ بِخِلَافِ الَّتِي لِلْأَبِ فَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْلِ بِالْأُمِّ سم مَعَ أَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ ح ل أَيْ: فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَأَبٍ، وَأُخْتٍ، وَيَحْذِفَ قَوْلَهُ لِغَيْرِ أَبٍ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ سم لَا يَمْنَعُ حَقَّهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُدْلِيَةٌ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فَكَانَ مَانِعًا لَهَا، وَالشَّقِيقَةُ تُدْلِي بِجِهَتَيْ الْأَبِ، وَالْأُمِّ فَاعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ لِقُوَّتِهِمَا بِجِهَةِ الْأُمِّ بِخِلَافِ الَّتِي لِلْأَبِ لَا حَقَّ لَهَا أَصْلًا مَعَ وُجُودِهِ، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِالذَّكَرِ) أَيْ: بِالْمُمَيِّزِ الذَّكَرِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ قَيَّدَ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبٍ مَثَلًا) أَيْ: أَوْ عَمٍّ مَنْعُ أُنْثَى أَيْ: يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ ع ش عَلَى م ر، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأُمَّ زَوْجُهَا مِنْ زِيَارَتِهَا، أَوْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ تَمْكِينُهَا مِنْ زِيَارَتِهَا. ا. هـ سم لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ فِي الْمُخَدَّرَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَدَمِ الْبُرُوزِ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأُمُّ أَوْلَى) ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) مُقْتَضَاهُ وَلَوْ أَمْرَدَ جَمِيلًا ح ل. (قَوْلُهُ: عِيَادَتُهَا) قَالَ م ر، وَإِنْ مَرِضَتْ الْأُمُّ لَزِمَ الْأَبُ تَمْكِينَ الْأُنْثَى مِنْ تَمْرِيضِهَا إنْ أَحْسَنَتْ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِي الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْسَنَهُ. ا. هـ (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ) ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ تَمْكِينِهَا مِنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ انْتِفَاءِ رِيبَةٍ قَوِيَّةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَرْحُ م ر بَلْ الظَّاهِرُ حُرْمَةُ تَمْكِينِهَا مِنْ ذَلِكَ ع ش، وَيَجْرِي هَذَا الْقَيْدُ فِي صُورَةِ جَوَازِ تَمْكِينِهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِلزِّيَارَةِ بِالْأَوْلَى رَشِيدِيٌّ
. (قَوْلُهُ: لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا كُلَّ يَوْمٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ شَرْحُ م ر وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَرِيبَةِ الْمَنْزِلِ، وَبَعِيدَتِهِ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي حَقِّ الْبَعِيدَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأُمِّ فَإِذَا تَحَمَّلَتْهَا، وَأَتَتْ كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يَحْصُلْ لِلْبِنْتِ مَشَقَّةٌ ع ش قَالَ الرَّشِيدِيُّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ وَجْهَهُ النَّظَرُ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ الْعُرْفَ أَنَّ قَرِيبَ الْمَنْزِلِ كَالْجَارِ يَتَرَدَّدُ كَثِيرًا بِخِلَافِ بَعِيدِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُهَا) أَيْ: لَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَتَدْخُلُهُ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَلَهَا أَنْ لَا تَكْتَفِيَ بِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute