وَلَوْ فُقَرَاءَ فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ بِدَفْعِ التَّحَمُّلِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ بَيِّنَةِ إقْرَارٍ بِذَلِكَ أَوْ بَيِّنَةِ عَمْدٍ وَفَارَقَ عَدَمُ قَبُولِهَا مِنْ الْفُقَرَاءِ قَبُولَهَا مِنْ الْأَبَاعِدِ
وَفِي الْأَقْرَبِينَ وَفَاءٌ بِالْوَاجِبِ بِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَالْغَنِيُّ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَتَحْصُلُ التُّهْمَةُ وَمَوْتُ الْقَرِيبِ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الِاعْتِقَادِ فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ تُهْمَةٌ، تَعْبِيرِي بِالْجِنَايَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَتْلِ
(وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ (عَلَى الْأَوَّلِينَ) فِي الْمَجْلِسِ مُبَادَرَةً (فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ) الْمُدَّعِي (الْأَوَّلِينَ) أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَصْدِيقِهِمَا (فَقَطْ حَكَمَ بِهِمَا) وَسَقَطَتْ شَهَادَةُ الْآخَرِينَ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ كَذَّبَهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ صَدَّقَ الْآخَرِينَ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ (بَطَلَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ فِي الثَّالِثِ وَوَجْهُهُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلِينَ وَعَدَاوَةَ الْآخَرِينَ لَهُمَا وَفِي الثَّانِي أَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيب الْآخَرِ
(وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ وَرَثَةٍ بِعَفْوِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ عَنْ الْقَوَدِ وَعَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (سَقَطَ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَبِالْإِقْرَارِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِي وَلِلْجَمِيعِ الدِّيَةُ سَوَاءٌ عُيِّنَ الْعَافِي أَمْ لَا نَعَمْ إنْ أَطْلَقَ الْعَافِي الْعَفْوَ أَوْ عَفَا مَجَّانًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا
(وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانِ فِعْلٍ) كَقَتْلٍ (أَوْ مَكَانَهُ أَوْ آلَتِهِ أَوْ هَيْئَتِهِ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بُكْرَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً أَوْ قَتَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْآخَرُ فِي السُّوقِ أَوْ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِرُمْحٍ أَوْ قَتَلَهُ بِالْحَزِّ وَالْآخَرُ بِالْقَدِّ (لَغَتْ) شَهَادَتُهُمَا (وَلَا لَوْثَ) لِلتَّنَاقُضِ فِيهَا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي فِعْلُ الْإِقْرَارِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي زَمَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ لَمْ تُلْغَ الشَّهَادَةُ.
؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي صِفَتِهِ بَلْ فِي الْإِقْرَارِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقَرَّ فِيهِمَا، نَعَمْ إنْ عَيَّنَا زَمَنًا فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِالْجَرْحِ أَيْ فَإِنَّ النَّفْعَ حَالَ الْوُجُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ وَبَعْدَهُ تَجِبُ لَهُ اهـ. فَحُمِلَ الْأَرْشُ عَلَى الدِّيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فُقَرَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْفَقْرِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَيِّنَةِ إقْرَارٍ) مَفْهُومُ جِنَايَةٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ بَيِّنَةِ عَمْدٍ مَفْهُومُ يَحْمِلُونَهَا (قَوْلُهُ: غَادٍ وَرَائِحٌ) أَيْ يَأْتِي فِي الْغَدَاةِ وَيَرُوحُ فِي الْمَسَاءِ ح ل وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فَالْغِنَى غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يُفَسَّرَ الْغَادِي بِالذَّاهِبِ فِي الْغَدَاةِ وَالرَّائِحُ بِالرَّاجِعِ فِي الْمَسَاءِ شَيْخُنَا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: ١٢] (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ) أَيْ فِي مَوْتِ الْقَرِيبِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ إلَخْ) وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْوِيرَ. الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُسْمَعُ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى عَلَى مُعَيِّنٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهَا كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلَيْنِ وَيَشْهَدَ لَهُ اثْنَانِ فَيُبَادِرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ وَهَذَا يُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ فَيُرَاجِعُ الْوَلِيَّ وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُبَادَرَةً فِي الْمَجْلِسِ اهـ. ز ي قَالَ ح ل أَيْ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى عَلَيْهِمَا فَهَذِهِ لَيْسَتْ شَهَادَةً حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ تَقَدُّمُ دَعْوَى عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رُوعِيَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ فَيُرَاجِعُ الْوَلِيَّ وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا كَمَا قَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُبَادَرَةً فِي الْمَجْلِسِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ عَادَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَشَهِدَا بِالْقَتْلِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فَالْقَاضِي لَا يُصْغِي إلَى قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ فِي فَصْلِ خُصُومَتِهِمَا فَيَحْصُلُ لَهُ رِيبَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَدَقَ إلَخْ) الشَّرْطُ عَدَمُ تَكْذِيبِهِمَا لَا تَصْدِيقُهُمَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُ مِنْ الْمَتْنِ س ل (قَوْلُهُ: بَطَلَتَا) وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الدَّعْوَى وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَيْ مِنْ الشَّهَادَةِ ح ل وَقَالَ ع ش جَزَمَ م ر بِبُطْلَانِ حَقِّهِ مِنْ الدَّعْوَى وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقَ: وَأَنْ لَا تُنَاقِضَهَا إلَخْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هُنَا دَعْوَى ثَانِيَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا صَدَّقَ الْآخَرِينَ كَأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِينَ لَكِنْ التَّصْدِيقُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الثَّالِثَةِ.
(قَوْلُهُ: وَعَدَاوَةَ الْآخَرِينَ) فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً فَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ التُّهْمَةُ ح ل وَعِبَارَةُ س ل إنَّمَا حَصَلَتْ الْعَدَاوَةُ لَهُمَا بِسَبَبِ مُبَادَرَتِهِمَا بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ الشَّهَادَةُ بِشَرْطِهَا إذْ حُصُولُهَا لَا يُثْبِتُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَعَيَّنَ الْعَافِيَ أَمْ لَا) لَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَعَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوَدِ وَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدِّيَةِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ وَإِنْ عُلِمَ. تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَالْمُقِرُّ وَلِيًّا أَيْضًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأُمُورَ الْخَارِقَةَ لِلْعَادَةِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَتُهُ عَلَى الشَّارِحِ قَوْلُهُ: لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا وَقَدْ يُقَالُ لِمَ لَا يَحْلِفُ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ الْآتِي بَيَانُهَا آخِرَ الْبَابِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَلِهَذَا غَلَّظَ فِيهِ بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ اهـ. ز ي.