إسْلَامِهِ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَحَلُّهُ فِي النُّفُوسِ، أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ بِنَا ضَعْفٌ (فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ) بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ قُرَيْشًا» هَذِهِ الْمُدَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشْرٍ ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامٍ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمَعَ فِي مَجَالِسَ يَحْصُلُ بِهَا الْبَيَانُ لَمْ يُمْهَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِحُصُولِ غَرَضِهِ (فَإِنْ زِيدَ) عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا بِحَسَبِ
الْمَصْلَحَةِ
أَوْ الْحَاجَةِ (بَطَلَ فِي الزَّائِدِ) دُونَ الْجَائِزِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ لِلنِّسَاءٍ وَالْخَنَاثَى لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ.
(وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ إطْلَاقُهُ) لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَشَرْطٌ فَاسِدٌ كَمَنْعِ) أَيْ: كَشَرْطِ مَنْعِ (فَكِّ أَسْرَانَا) مِنْهُمْ (أَوْ تَرْكِ مَا لَنَا) عِنْدَهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (لَهُمْ أَوْ رَدِّ مُسْلِمَةٍ) أَسْلَمَتْ عِنْدَنَا أَوْ أَتَتْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمَةً (أَوْ عَقْدِ جِزْيَةٍ بِدُونِ دِينَارٍ) أَوْ إقَامَتِهِمْ بِالْحِجَازِ أَوْ دُخُولِهِمْ الْحَرَمَ (أَوْ دَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ) ؛ لِاقْتِرَانِ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ نَعَمْ إنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ، كَأَنْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ الْأَسْرَى أَوْ أَحَاطُوا بِنَا وَخِفْنَا اصْطِلَامَهُمْ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِقَوْلِهِ فَسِيحُوا إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي النُّفُوسِ) أَيْ: نُفُوسِ الذُّكُورِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ. (قَوْلُهُ: أَمَّا أَمْوَالُهُمْ) مِثْلُهَا النِّسَاءُ، وَالْخَنَاثَى، وَالصِّبْيَانُ، وَالْأَرِقَّاءُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ وَضَمَّهُ لِقَوْلِهِ: وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ لِلنِّسَاءِ إلَخْ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: مُؤَبَّدًا) مُقْتَضَاهُ أَنَّا نَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ وَاضِحٌ إذَا لَمْ يَرِقُّوا ح ل وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: اُنْظُرْ مَا مَعْنَى التَّأْبِيدِ هُنَا هَلْ اسْتِمْرَارُهُ وَإِنْ قَاتَلُونَا وَإِذَا أَسَرْنَاهُمْ وَضَرَبْنَا عَلَيْهِمْ الرِّقَّ هَلْ نَأْخُذُهَا أَوْ نَدْفَعُهَا لِوَارِثِهِمْ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ يُحَرَّرُ الظَّاهِرُ أَنَّا نَأْخُذُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِ الْعَشْرِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا) أَيْ: الْعَشْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي هَذَا التَّعْبِيرُ م ر وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي عُقُودٍ لَا تَجُوزُ عِنْدَ قُوَّتِنَا فَلْيُحَرَّرْ. اهـ.، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي عُقُودٍ) وَلَا يُعْقَدُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا شَوْبَرِيٌّ قَالَ فِي ع ب: فَإِنْ تَمَّتْ، وَالضَّعْفُ بِنَا بَاقٍ عُقِدَ ثَانِيًا أَوْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَجَبَ إتْمَامُهَا سم (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا مَحَلَّ لَهَا هُنَا أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْأَمَانِ لَا الْهُدْنَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَهُ بِقَصْدِ السَّمَاعِ يُؤَمِّنُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْهُ أَحَدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: بِأَمَانٍ، فَمَا قِيلَ: إنَّهَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ قَبْلَهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمَانٌ وَأَيْضًا الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِإِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ يَصْدُقُ بِدُونِهَا.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُمْهَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) قَدْ يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. سم وَقَدْ حَرَّرْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ بِجَعْلِ قَوْلِ الْمَتْنِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ: مَسْأَلَتَيْ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَشَرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمَتْنِ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقَوْلُ سم قَدْ يَدُلُّ إلَخْ هَذَا لَا يَدُلُّ؛ لِأَنَّهُ أَمَانٌ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْهُدْنَةِ.
(قَوْلُهُ:، فَإِنْ زِيدَ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ، فَمَا دُونَهَا عِنْدَ قُوَّتِنَا، وَالْعَشْرِ، فَمَا دُونَهَا عِنْدَ ضَعْفِنَا فَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ
الْمَصْلَحَةِ
مُتَعَلِّقٌ بِالْجَائِزِ أَيْ: عَلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَوْ أَزْيَدَ مِنْهَا إلَى الْعَشْرِ عِنْدَ ضَعْفِنَا (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ
الْمَصْلَحَةِ
) أَيْ: فِي الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْحَاجَةِ أَيْ: فِي الْعَشْرِ سِنِينَ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْهُدْنَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِحَسَبِ الْحَاجَةِ رَاجِعٌ لَهُمَا فَغَرَضُ الشَّارِحِ التَّنْوِيعُ لَا التَّوْزِيعُ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ فِي الزَّائِدِ) وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَاجَةُ فِي صُورَةِ الْأَرْبَعَةِ، فَمَتَى كَانَ بِنَا قُوَّةٌ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْهَا الْمَصْلَحَةُ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ خَصُّوا جَوَازَ الزِّيَادَةِ فِي عُقُودٍ بِمَسْأَلَةِ الْعَشْرِ، وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَشَرَةِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ الْقُوَّةُ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَشَرَةِ.
(قَوْلُهُ: لِلنِّسَاءِ) اُنْظُرْ الصِّبْيَانَ، وَالْأَرِقَّاءَ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا: نَحْوَ النِّسَاءِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهُمَا ح ل أَيْ: مَا دَامَ الصِّبْيَانُ صِغَارًا، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْخَنَاثَى) اُنْظُرْ إذَا عُقِدَ لِلْخُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ أَوْ يُتِمُّ عَقْدَهُ أَوْ كَيْفَ الْأَمْرُ؟ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
. (قَوْلُهُ: وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ إطْلَاقُهُ) أَيْ: فِي غَيْرِ نَحْوِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالْمَجَانِينِ، وَالْمَالِ شَرْحُ م ر ع ش (قَوْلُهُ: لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ) هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْأَمَانِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ح ل وَيُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لَهَا بِخِلَافِ الْأَمَانِ. (قَوْلُهُ: مَا لَنَا إلَخْ) أَيْ: الَّذِي لَنَا، فَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ (قَوْلُهُ: أَوْ رَدِّ مُسْلِمَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى تَرْكِ، خَرَجَتْ الْكَافِرَةُ، وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِاقْتِرَانِ الْعَقْدِ إلَخْ) فِيهِ مُصَادَرَةٌ وَعِبَارَةُ م ر؛ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ عِزَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَيْ: لِأَنَّ فِي شَرْطِ ذَلِكَ إهَانَةً يَنْبُو عَنْهَا الْإِسْلَامُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] (قَوْلُهُ: وَخِفْنَا اصْطِلَامَهُمْ) أَيْ: اسْتِئْصَالَهُمْ لَنَا، كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر أَيْ: أَخْذَنَا وَقَتْلَنَا مِنْ أَصْلِنَا.
(قَوْلُهُ: جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ) أَيْ: لِخَلَاصِ الْأَسْرَى ح ل