للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَقَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] (أَرْكَانُ الذَّبْحِ) بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ (ذَبْحٌ وَذَابِحٌ وَذَبِيحٌ وَآلَةٌ، فَالذَّبْحُ) الشَّامِلُ لِلنَّحْرِ وَقَتْلِ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِمَا يَأْتِي (قَطْعُ حُلْقُومٍ) وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ (وَمَرِيءٍ) وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ (مِنْ) حَيَوَانٍ (مَقْدُورٍ) عَلَيْهِ (وَقَتْلِ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (بِأَيِّ مَحَلٍّ) كَانَ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْلَالًا فَلَا يَرِدُ الْجَنِينُ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ بِذَبْحِ أُمِّهِ تَبَعًا لِخَبَرِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» .

ــ

[حاشية البجيرمي]

(قَوْلُهُ، وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ وَبِالسَّهْمِ وَبِالْجَوَارِحِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: جَمْعُ ذَبِيحَةٍ) التَّاءُ لِلْوَحْدَةِ. قَوْلُهُ: {فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] الْأَمْرُ بِالِاصْطِيَادِ يَقْتَضِي حِلَّ الْمَصِيدِ، وَقَوْلُهُ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَيُفِيدُ حِلَّ الْمُذَكَّيَاتِ شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ: مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَيْ: مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَذْكِيَةٌ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] أَيْ: إلَّا مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُنْخَنِقَةُ إلَخْ، كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مَخْصُوصُ بِمَا أَكَلَ السَّبُعُ أَيْ: الْجَارِحَةُ الْمُرْسَلَةُ.

(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ) وَهُوَ الِانْذِبَاحُ أَيْ: كَوْنُ الْبَهِيمَةِ مَذْبُوحَةً ع ش وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِهَذَا لِيُغَايِرَ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ، وَإِلَّا لَزِمَ اتِّحَادُ الْكُلِّ، وَالْجُزْءِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةٌ) الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا أَرْكَانًا لَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِتَحَقُّقِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ وَفِعْلٍ وَآلَةٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا جُزْءًا مِنْهُ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: بِمَا يَأْتِي) أَيْ: عَقْرُهُ بِأَيِّ مَحَلٍّ كَانَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَتْلُ. (قَوْلُهُ: قَطْعُ حُلْقُومٍ) أَيْ: كُلِّهِ وَخَرَجَ بِقَطْعِ مَا لَوْ اخْتَلَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ غَيْرُهُ بِيَدِهِ أَوْ بُنْدُقَةٍ فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ وَبِمَقْدُورٍ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَبِقَوْلِهِ: كُلُّ الْحُلْقُومِ مَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ، وَانْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ثُمَّ قَطَعَ الْبَاقِي فَلَا يَحِلُّ شَرْحُ م ر وَفِي قَوْلِهِ ثَمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْبَعْضَ الْأَوَّلَ ثُمَّ تَرَاخَى قَطْعُهُ لِلثَّانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ يَدَهُ بِالسِّكِّينِ وَأَعَادَهَا فَوْرًا أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهَا وَتَمَّمَ الذَّبْحَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ وَقَوْلُنَا: وَأَعَادَهَا فَوْرًا وَمِنْ ذَلِكَ قَلْبُ السِّكِّينِ لِقَطْعِ بَاقِي الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ أَوْ تَرْكُهَا وَأَخَذَ غَيْرِهَا فَوْرًا لِعَدَمِ حِدَّتِهَا فَلَا يَضُرُّ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُ ز ي: وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ دُفْعَةً وَاحِدَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا عَدَمُ التَّرَاخِي فِي الْقَطْعِ.

(قَوْلُهُ: وَمَرِيءٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْمَدِّ شَوْبَرِيٌّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ، وَالْوَدَجَيْنِ قِيلَ بِحُرْمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي التَّعْذِيبِ، وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مُحَلَّلٌ هَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُقُوعُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُجْزِئَةِ ع ش عَلَى م ر وَسُئِلَ م ر عَمَّنْ ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَأَزَالَ رَأْسَهَا هَلْ تَحِلُّ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تَحِلُّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الذَّبْحِ، وَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ. اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: وَقَتْلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " قَطْعُ "، وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ لَا بِحَالَةِ إصَابَةِ الْآلَةِ فَلَا نَظَرَ لِمَا قَبْلَهَا، فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ أَوْ عَكْسُهُ حَلَّ س ل مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْلَالًا) الْأَصْوَبُ، وَالْكَلَامُ فِي الذَّكَاةِ إلَخْ رَشِيدِيٌّ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَبْحَهُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ ذَبْحَ أُمِّهِ ذَكَاتَهُ وَعِبَارَةُ س ل قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَبْحَهُ إلَخْ أَيْ: وَإِنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَمَّ انْفِصَالُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَ بَعْضِ الْوَلَدِ لَا أَثَرَ لَهُ غَالِبًا.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُرَدُّ الْجَنِينُ) أَيْ: عَلَى تَعْرِيفِ الذَّبْحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَالْمُضْغَةُ، وَالْعَلَقَةُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ ب ش قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَضَابِطُ حِلِّ الْجَنِينِ أَنْ يُنْسَبَ مَوْتُهُ إلَى تَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ يَمُوتَ بِتَذْكِيَتِهَا أَوْ يَبْقَى عَيْشُهُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ عَيْشَ مَذْبُوحٍ، ثُمَّ يَمُوتَ أَوْ يَشُكُّ هَلْ مَاتَ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا؟ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي حِلِّهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ فَخَرَجَ مَا لَوْ تَحَقَّقْنَا مَوْتَهُ قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا وَمَا لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَمَا لَوْ تَحَقَّقْنَا عَيْشَهُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ، ثُمَّ مَاتَ، كَمَا لَوْ اضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا زَمَانًا طَوِيلًا أَوْ تَحَرَّكَ فِي بَطْنِهَا تَحَرُّكًا شَدِيدًا، ثُمَّ سَكَنَ، ثُمَّ ذُكِّيَتْ (قَوْلُهُ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ إلَخْ) وَهَمَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةَ النَّصْبِ وَقَالُوا: الْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الرَّفْعِ، وَيَكُونُ ذَكَاةُ الْأَوَّلِ خَبَرًا مُقَدَّمًا، وَذَكَاةُ الثَّانِي مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا أَيْ: ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةً لَهُ لَا يَحْتَاجُ مَعَ تَذْكِيَتِهَا إلَى تَذْكِيَةٍ إذَا لَمْ تُدْرَكْ حَيَاتُهُ شَوْبَرِيٌّ وَهَذَا أَيْ: كَوْنُ " ذَكَاةً " خَبَرًا مُقَدَّمًا جَازَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ تَذْكِيَةِ الْجَنِينِ فَيُقَدِّرُونَ مُضَافًا أَيْ: مِثْلُ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَهُمْ مَيْتَةٌ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ حِينَئِذٍ لَا تُجْزِئُ وَفِي حَالَةِ النَّصْبِ يُقَدِّرُونَ الْكَافَ أَيْ: كَذَكَاةٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّرُونَ الْبَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>