(وَكُرِهَ جَلَّالَةٌ) وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهِ كَدَجَاجٍ أَيْ كُرِهَ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا كَلَبَنِهَا وَبِيضِهَا وَلَحْمِهَا وَكَذَا رُكُوبُهَا بِلَا حَائِلٍ فَتَعْبِيرِي بِهَا أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِلَحْمِهَا، هَذَا إنْ (تَغَيَّرَ لَحْمُهَا) أَيْ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ وَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ (إلَى أَنْ يَطِيبَ لَحْمُهَا) بِعَلَفٍ أَوْ بِدُونِهِ (لَا بِنَحْوِ غَسْلٍ) كَطَبْخٍ وَمَنْ اقْتَصَرَ كَالْأَصْلِ عَلَى الْعَلَفِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِخَبَرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ لَبَنِهَا حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ زَادَ أَبُو دَاوُد وَرُكُوبُهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِتَغَيُّرِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَلَحْمِ الْمُذَكَّى إذَا أُنْتِنَ وَتَرَوَّحَ أَمَّا طِيبُهُ بِنَحْوِ غَسْلٍ فَلَا تَزُولُ بِهِ الْكَرَاهَةُ
(وَكُرِهَ لِحُرٍّ) تَنَاوُلُ (مَا كَسَبَ) أَيْ كَسَبَهُ حُرٌّ أَوْ غَيْرُهُ (بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحَجْمٍ) وَكَنْسِ زِبْلٍ أَوْ نَحْوِهِ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَالْحِيَاكَةِ وَنَحْوِهِمَا وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ لِحُرٍّ غَيْرُهُ (وَسُنَّ) لَهُ (أَنْ يُنَاوِلَهُ مَمْلُوكَهُ) مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِيُطْعِمُهُ رَقِيقُهُ وَنَاضِحُهُ وَدَلِيلُ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَأَعْلِفْهُ نَاضِحَك» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ قَالُوا وَصَرَفَ النَّهْيَ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ
(وَعَلَى مُضْطَرٍّ) بِأَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَحْذُورًا كَمَوْتٍ وَمَرَضٍ مَخُوفٍ وَزِيَادَتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ وَانْقِطَاعِ عَنْ رُفْقَةٍ مِنْ عَدَمِ التَّنَاوُلِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
صَلَاةِ الْخَوْفِ ز ي. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ جَلَّالَةٌ) وَيُكْرَهُ أَيْضًا إطْعَامُ الْمَأْكُولَةِ نَجِسًا شَرْحُ م ر، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّجِسِ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إطْعَامُهَا الْمُتَنَجِّسُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ) أَيْ: أَصَالَةً، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ ق ل وَفِي الْمُخْتَارِ الْجَلَّةُ النَّجَاسَةُ، وَمِثْلُهُ حَجّ وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا مُثَلَّثَةُ الْجِيمِ فَفِي الشَّارِحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَفْصَحُ. اهـ. بِخِلَافِ الزَّرْعِ الَّذِي سُقِيَ، أَوْ رُبِّيَ بِنَجِسٍ فَلَا يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: كَلَبَنِهَا) أَيْ: وَشَعْرِهَا، وَوَلَدِهَا أَيْ: إذَا ذُكِّيَتْ، وَمَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ، وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا، أَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا كُرِهَ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ إذَا خَرَجَ حَيًّا، ثُمَّ ذُكِّيَ فُصِّلَ فِيهِ بَيْنَ ظُهُورِ الرَّائِحَةِ، وَعَدَمِهِ. اهـ. ع ش، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَوُجِدَتْ بِالْوَاوِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا رُكُوبُهَا) فَصَلَهُ لِأَجْلِ تَقْيِيدِهِ بِلَا حَائِلٍ قَالَ ع ش: وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْرَقْ، وَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَرَاهَةِ الْجَلَّالَةِ كَرَاهَةُ تَنَاوُلِهَا لَا رُكُوبُهَا. (قَوْلُهُ: إنْ تَغَيَّرَ لَحْمُهَا) أَيْ: وَلَوْ تَقْدِيرًا كَأَنْ ارْتَضَعَتْ سَخْلَةٌ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَوْ كَانَ بَدَلَ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَتْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَذِرَةً مَثَلًا ظَهَرَ فِيهِ التَّغَيُّرُ نَظِيرَ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ، وَإِلَّا فَاللَّبَنُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ تَغَيُّرٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُرَاجَعْ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ الْعَلَفِ، وَتَقْدِيرُهَا فِيهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْبَعِيرِ، وَثَلَاثِينَ فِي الْبَقَرَةِ، وَسَبْعَةً فِي الشَّاةِ، وَثَلَاثَةً فِي الدَّجَاجَةِ لِلْغَالِبِ. وَلَوْ غُذِّيَتْ شَاةٌ بِحَرَامٍ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ تَحْرُمْ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ إذْ هُوَ حَلَالٌ فِي ذَاتِهِ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْغَيْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُكُوبِهَا) هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى أَكْلِ أَيْ: نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ، وَرُكُوبِهَا
. (قَوْلُهُ: تَنَاوُلُ مَا كُسِبَ) ، وَكَذَا التَّصَدُّقُ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ م ر. (قَوْلُهُ: بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ) أَيْ: مُخَالَطَتِهِ، وَمُبَاشَرَتِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِ كَالذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ تَضَمُّخُ أَيْدِي الذَّبَّاحِينَ، وَالْجَزَّارِينَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَنَاضِحَهُ) أَيْ: بَعِيرَهُ الَّذِي يَسْتَقِي عَلَيْهِ م ر. (قَوْلُهُ: قَالُوا إلَخْ) وَجْهُ التَّبَرِّي أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرَةٌ، وَأَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِعْطَاءِ التَّنَاوُلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ أَعْطَاهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ، أَوْ نَاضِحَهُ فَالْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ مَمْنُوعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَجَّامُ لَمْ يُنَاوِلْهُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ سم إلَّا أَنْ يُقَالَ: فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُ تَأَمَّلْ. شَيْخُنَا، وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ: هَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَرَّمَ الْأَخْذَ حَرَّمَ الْإِعْطَاءَ كَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِعْطَاءِ ظَالِمٍ، أَوْ قَاضٍ، أَوْ شَاعِرٍ خَوْفًا مِنْهُ فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَمُؤَوَّلٌ عَلَى حَدِّ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] شَرْحُ م ر، وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبِيثِ الرَّدِيءُ
. (قَوْلُهُ: وَعَلَى مُضْطَرٍّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِمَّا يُؤْكَلُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ شَرَعَ فِيمَا يُؤْكَلُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَقَالَ: وَعَلَى مُضْطَرٍّ إلَخْ ع ن. (قَوْلُهُ: بِأَنْ خَافَ إلَخْ) أَيْ: أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ، وَكَانَ مَعْصُومًا غَيْرَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَغَيْرَ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَوْتِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَمَرَضٍ مَخُوفٍ) أَوْ غَيْرِ مَخُوفٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ شَرْحُ م ر، وَالْمَحْذُورُ شَامِلٌ لِنَحْوِ بُطْءِ الْبُرْءِ، وَفِي لُزُومِ الْأَكْلِ لِخَوْفِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ قَدْ يُنْظَرُ فِي اللُّزُومِ لِخَوْفِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ أَيْضًا. اهـ. سم. (قَوْلُهُ: وَانْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) أَيْ: إنْ حَصَلَ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ لَا نَحْوِ وَحْشَةٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ نَحْوِ الْمَشْيِ، وَكَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ، وَعِيلَ أَيْ: فَقَدَ صَبْرَهُ. وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ، وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ تَنَاوُلُهُ الْمُحَرَّمَ كَمَا حَكَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute