لِامْتِنَاعِ الْحِنْثِ فِيهِ بِذَاتِهِ بِخِلَافِ وَاَللَّهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ حَالًا وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ (بِمَا اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ) وَلَوْ مُشْتَقًّا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى (كَوَ اللَّهِ) بِتَثْلِيثِ آخِرِهِ أَوْ تَسْكِينِهِ إذْ اللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ (وَرَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ مَالِك الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ وَخَالِقِ الْخَلْقِ (وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ) فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقُّ غَيْرِهِ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ تَعَالَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَتُهُ ذَلِكَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَقَوْلُ الْأَصْلِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
السَّمَاءِ ح ل فَلَوْ صَعِدَ بِالْفِعْلِ هَلْ يَحْنَثُ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَمُقْتَضَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ الْحِنْثِ فِيهِ بِذَاتِهِ) أَيْ: فَلَمْ يَحْصُلْ إخْلَالٌ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ م ر وَقَوْلُهُ: بِذَاتِهِ أَيْ: بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْحِنْثُ فِيهِ بِالصُّعُودِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمِينٌ) أَيْ: فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَى التَّعْرِيفِ، وَعِبَارَةُ ح ل فَإِنَّهُ يَمِينٌ أَيْ: فِي حُكْمِ الْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ حَالًا) لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الِاسْمِ بِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِيهِ عَادَةً ح ل فَلَوْ صَعِدَ بِالْفِعْلِ هَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ اُنْظُرْهُ ح ل نَظَرْت فَوَجَدْت أَنَّهَا تَسْقُطُ كَمَا فِي ع ش فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُمْكِنَ الْحِنْثِ عَادَةً، أَوْ وَاجِبَ الْحِنْثِ عَادَةً فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبَ الْبِرِّ، أَوْ مُسْتَحِيلَ الْحِنْثِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِمَا اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَخْ) وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِمَخْلُوقٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا فِي التَّحْرِيمِ ز ي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُشْتَقًّا) كَرَبِّ الْعَالَمِينَ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى) كَخَالِقِ الْخَلْقِ. (قَوْلُهُ: وَرَبِّ الْعَالَمِينَ) لَوْ قَالَ: وَرَبِّ الْعَالَمِ، وَقَالَ: أَرَدْت بِالْعَالَمِ كَذَا مِنْ الْمَالِ، وَبِرَبِّهِ مَالِكَهُ قِيلَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، وَإِنَّمَا سَمَّى الْمَخْلُوقَاتِ بِالْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا فَالْعَالَمِينَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْعُقَلَاءِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبَرْمَاوِيُّ كَكَثِيرِينَ، وَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْعُقَلَاءِ. (قَوْلُهُ: وَخَالِقِ الْخَلْقِ) اُنْظُرْ وَجْهَ إتْيَانِ الشَّارِحِ بِهَذَا الْمِثَالِ فِي خِلَالِ أَمْثِلَةِ الْمَاتِنِ، وَهَلَّا أَخَّرَهُ مَعَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي زَادَهَا، وَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ مُنَاسِبًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فِي كَوْنِهِ مُشْتَقًّا ذَكَرَهُ عَقِبَهُ، وَنُقِلَ عَنْ ب ش أَنَّ قَوْلَهُ: وَخَالِقِ الْخَلْقِ تَفْسِيرٌ ثَانٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رَبَّ صِفَةُ فِعْلٍ، وَالْعَالَمِينَ اسْمُ جَمْعٍ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَالَمِينَ جَمْعٌ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ) أَيْ: بِمَا اخْتَصَّ بِهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ الْيَمِينِ كَأَنْ جَعَلَهُ مُبْتَدَأً، وَأَضْمَرَ لَهُ خَبَرًا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثَةٌ: إرَادَةٌ لِيَمِينٍ، وَإِرَادَةُ غَيْرِهِ، وَالْإِطْلَاقُ فَتَنْعَقِدُ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ فِي هَذِهِ، وَاللَّتَيْنِ بَعْدَهَا أَيْ: الْغَالِبِ فِي اللَّهِ، وَالْمُسْتَوِي فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ وَلَا تَنْعَقِدُ فِي الثَّانِي فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّهُ كَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ عَنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي الْكُلِّ.، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ جَرَيَانِهِ فِي هَذِهِ جَرَيَانُهُ فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا بِالْأَوْلَى، وَمُحَصِّلُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ هَذِهِ، وَمَا بَعْدَهَا فِي صُوَرٍ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ: إرَادَةُ اللَّهِ، وَإِرَادَةُ غَيْرِهِ، وَالْإِطْلَاقُ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الثَّانِي فِي ثِنْتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثِ فِي وَاحِدَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ: فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ حَلَفْت بِاَللَّهِ فَأَنْت طَالِقٌ، أَوْ أَنْت حُرٌّ، أَوْ لَا أَطَأُ زَوْجَتِي فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَتَى بِصِيغَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ تَارَةً تُقْبَلُ، وَتَارَةً لَا تُقْبَلُ ح ل لَكِنْ فِي الرَّوْضِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ يَقُولُ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ أَرَدْت بِهِ حَلَّ الْوَثَاقِ مَثَلًا، أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: وَلَمْ أُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ بَلْ أَرَدْت أَنْتَ كَالْحُرِّ فِي الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مَثَلًا، أَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ، وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ أَيْ: فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَوْ أَتَى بِصِيغَةِ طَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ إيلَاءٍ، وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ، وَالْإِيلَاءَ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ شَيْخُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ التَّصْوِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ) فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَشَمَلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ يَمِينًا ح ل وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَهُوَ يَمِينٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الْأَصْلِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْأَصْلِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ أَوَّلَهُ بِمَا ذُكِرَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَصْلِ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ صَادِقٌ بِالْإِطْلَاقِ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ بَلْ يَقَعُ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ إرَادَةِ الْيَمِينِ، وَإِرَادَةِ غَيْرِ الْيَمِينِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْلِ عَلَى صُورَةِ الْإِطْلَاقِ فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ) أَيْ: بِإِرَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ أَيْ: إنْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ح ل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute