للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتُكْرَهُ) أَيْ الْيَمِينُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] (إلَّا فِي طَاعَةٍ) مِنْ فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ (وَ) فِي (دَعْوَى) عِنْدَ حَاكِمٍ (وَ) فِي (حَاجَةٍ) كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» أَوْ تَعْظِيمِ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ «وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» فَلَا تُكْرَهُ فِيهِمَا وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِي

(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى) ارْتِكَابِ (مَعْصِيَةٍ) كَتَرْكِ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ وَلَوْ عَرَضًا وَفِعْلِ حَرَامٍ (عَصَى) بِحَلِفِهِ (وَلَزِمَهُ حِنْثٌ وَكَفَّارَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا بِأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ

(أَوْ) عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ (مُبَاحٍ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ (سُنَّ تَرْكُ حِنْثِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهِ أَوْ فِعْلِهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَيِّبًا أَوْ لَا يَلْبَسُ نَاعِمًا فَقِيلَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ وَقِيلَ يَمِينُ طَاعَةٍ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فِي خُشُونَةِ الْعَيْشِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَاتِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ

(أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَسُنَّةِ ظُهْرٍ (أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالْتِفَاتٍ فِي الصَّلَاةِ (سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ) بِالْحِنْثِ (كَفَّارَةٌ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (أَوْ) عَلَى (عَكْسِهِمَا) أَيْ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ (كُرِهَ) أَيْ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي

(وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِلَا صَوْمٍ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا) لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْحِنْثِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّهَادَةِ

. (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ) أَيْ: الْيَمِينُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ قَطُّ لَا صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: فَطَاعَةٌ) أَيْ: لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً، ثُمَّ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا فِعْلُ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكُ حَرَامٍ وَجَبَتْ، أَوْ فِعْلُ مَنْدُوبٍ، أَوْ تَرْكُ مَكْرُوهٍ نُدِبَتْ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: لَا يَمَلُّ اللَّهُ إلَخْ) أَيْ: لَا يَتْرُكُ ثَوَابَكُمْ حَتَّى تَتْرُكُوا الْعَمَلَ ع ش. (قَوْلُهُ: مَا أَعْلَمُ) أَيْ: مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ أَيْ: أَهْوَالِهَا، وَعَذَابِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا تُكْرَهُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْحَاجَةِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى اسْتِثْنَاءٍ رَابِعٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتُكْرَهُ، إلَّا إنْ حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ فَتَحْرُمُ، وَقَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ حِنْثٌ إلَخْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحِنْثَ تَارَةً يَجِبُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَتَارَةً يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ عَلَى مُبَاحٍ إلَخْ، وَتَارَةً يُنْدَبُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ إلَخْ، وَتَارَةً يُكْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ عَكْسُهُمَا إلَخْ، وَتَارَةً يَحْرُمُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَتَحْصُل مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحِنْثَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْمُبَاحِ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا عَلِمْت، وَبِضِدِّ مَا قِيلَ فِيهِ يُقَالُ: فِي الْبِرِّ، فَحَيْثُ وَجَبَ الْحِنْثُ حَرُمَ الْبِرُّ، وَحَيْثُ حَرُمَ الْحِنْثُ وَجَبَ الْبِرُّ، وَحَيْثُ نُدِبَ الْحِنْثُ كُرِهَ الْبِرُّ، وَحَيْثُ كُرِهَ الْحِنْثُ نُدِبَ الْبِرُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَرَضًا) كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ س ل وَقَالَ ع ش: كَأَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ حِنْثٌ، وَكَفَّارَةٌ) اُنْظُرْ مَتَى يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ فِي فِعْلِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ بِالْمَوْتِ، أَوْ بِعَزْمِهِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، وَالنَّدَمُ عَلَى الْحَلِفِ فَيَخْلُصَ بِذَلِكَ مِنْ الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: عَلَى يَمِينٍ) أَيْ: عَلَى مُتَعَلَّقُ يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا أَيْ: غَيْرَ مُتَعَلِّقِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ عَلَى زَائِدَةً شَيْخُنَا، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الشَّيْءُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ، وَإِرَادَةِ الْمُسَبِّبِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ سَبَبٌ فِي الْحَلِفِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا إلَخْ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّفَقَةَ مَعَ ذَلِكَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ سم فَالْأَوْلَى أَنْ يُمَثِّلَ لِذَلِكَ بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ) عِبَارَةُ ع ب وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَنَعَّمُ بِلِبَاسٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ التَّزَهُّدِ وَلَهُ صَبْرٌ، وَتَفَرُّغٌ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ طَاعَةٌ، وَ، إلَّا فَمَكْرُوهٌ سم وَانْظُرْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؛ إذْ كَلَامُ الْمَتْنِ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ، وَالِاسْتِدْرَاكُ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُمَا مُتَلَازِمَانِ. (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَأْكُلَ طَيِّبًا إلَخْ) أَيْ: وَأَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُصْلِحِينَ فِي خُشُونَةِ الْعَيْشِ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ) وَحِينَئِذٍ يُسَنُّ لَهُ الْحِنْثُ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْرَاكِ فَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُصِرَّ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاقْتِدَاءَ بِالصَّالِحِينَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصْوَبُ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي؛ إذْ التَّقْدِيمُ وَصْفٌ مِنْ، أَوْصَافِهَا كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ سم: وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التَّأْخِيرُ، وَهُوَ كَذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. بُرُلُّسِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا) السَّبَبَانِ هُمَا الْحَلِفُ، وَالْحِنْثُ قَالَ سم: أَيْ: إنْ كَانَ لَهَا سَبَبَانِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا سَبَبٌ وَاحِدٌ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ عَلَى الْحِنْثِ) وَلَوْ قَدَّمَهَا وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَهَا كَالزَّكَاةِ أَيْ: إنْ شَرَطَهُ، أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ، وَ، إلَّا فَلَا وَلَوْ أَعْتَقَ، ثُمَّ مَاتَ مَثَلًا قَبْلَ حِنْثِهِ وَقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>