فَيَجُوزُ تَعَدُّدُهَا لِلْحَاجَةِ بِحَسَبِهَا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ: الرُّويَانِيُّ وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وَقَالَ: الصَّيْمَرِيُّ وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ وَظَاهِرُ النَّصِّ مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ (فَلَوْ وَقَعَتَا) فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدهَا فِيهِ (مَعًا أَوْ شَكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ (اُسْتُؤْنِفَتْ) جُمُعَةٌ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَدَافُعِهِمَا فِي الْمَعِيَّةِ فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ قَالَ: الْإِمَامُ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا قَالَ: فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ (أَوْ الْتَبَسَتْ) إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إمَّا أَوَّلًا كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَكَانِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ فَأَخْبَرَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْهُمَا أَوْ ثَانِيًا بِأَنْ تَعَيَّنَتْ ثُمَّ نُسِيَتْ (صَلُّوا ظُهْرًا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كُلِّهِ فَلَا يَجِبُ الظُّهْرُ هُنَاكَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَنْ يَغْلِبُ فِعْلُهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَعَدُّدُهَا لِلْحَاجَةِ) وَمَعَ ذَلِكَ يُسَنُّ فِعْلُ الظُّهْرِ خُرُوجًا مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ النَّصِّ الْمَانِعِ لِلتَّعَدُّدِ مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ) وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ السَّابِقَةِ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا: (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ: بِالتَّعَدُّدِ لِحَاجَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَمْسَةٌ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ فِي صُورَتَيْنِ، وَيَجِبُ الظُّهْرُ فَقَطْ فِي صُورَتَيْنِ، وَتَصِحُّ السَّابِقَةُ دُونَ اللَّاحِقَةِ فِي صُورَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف حَاصِلُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَعَدُّدٌ، أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدُّدٌ فَالْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ وَتَحْرُمُ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَلَا تَنْعَقِدُ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ تَعَدُّدٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهَا فَتَصِحُّ مِنْ كُلٍّ أَيْضًا وَإِنْ عُلِمَ سَبْقٌ، وَتُسَنُّ صَلَاةُ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَإِمَّا أَنْ يَقَعَا مَعًا، أَوْ يُشَكَّ فِي السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ بِمَكَانٍ وَيُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَتُسَنُّ فِي صُورَةِ الشَّكِّ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَيْ: بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا سَابِقَةً فَلَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا، وَإِمَّا أَنْ تُعْلَمَ السَّابِقَةُ وَلَمْ تُنْسَ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَالْمَسْبُوقَةُ بَاطِلَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عِلْمِهِمْ أَنْ يُحْرِمُوا خَلْفَ السَّابِقَةِ إنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ وَعَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ سَلَامِهِمْ بَنَوْا عَلَى مَا مَضَى ظُهْرًا.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ بَنَوْا مَعَ أَنَّ إحْرَامَهُمْ بَاطِلٌ لِسَبْقِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ؟ أَجِيبَ بِأَنَّ الْبَاطِلَ إنَّمَا هُوَ خُصُوصُ الْإِحْرَامِ بِالْجُمُعَةِ لَا عُمُومُ الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ، أَوْ عُلِمَتْ وَنُسِيَتْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ) أَيْ: هَلْ وَقَعَا مَعًا، أَوْ مُرَتَّبًا، أَوْ شَكَّ هَلْ تَعَدَّدَتْ لِحَاجَةٍ، أَوْ لَا، أَوْ هَلْ جُمُعَتُهُ وَقَعَتْ فِي الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَوْ لَا أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّ هُنَاكَ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ يَقِينًا. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: اُسْتُؤْنِفَتْ) أَيْ: فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ إلَخْ) لَا يُقَالُ: هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِيمَا لَوْ شَكَّ هَلْ فِي الْأَمَاكِنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، أَوْ لَا وَقَدْ قُلْتُمْ فِيهَا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاحْتِمَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَخَفُّ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَعِيَّةِ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَعِيَّةِ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ: مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا فِي صُورَةِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً) أَيْ: لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ فَتَكُونَانِ بَاطِلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ ظُهْرًا أَيْ: لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا أَيْ: فَتَكُونُ صَحِيحَةً فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ أُخْرَى بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ إلَخْ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي احْتِمَالَ وُقُوعِ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا نَظَرَ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: مَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ بَلْ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ أَيْ: الْمُعَادَةَ كَافِيَةٌ فَحَذَفَ فِعْلَ الشَّرْطِ وَجَوَابَهُ، وَأَقَامَ عِلَّةَ الْجَوَابِ مُقَامَهُ وَقَوْلُهُ: عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ أَيْ: مِنْ الْجُمُعَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ) دَفَعَ بِهَذَا مَا قِيلَ: إنَّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إذَا تَرَكَهَا يَكُونُ فَاسِقًا فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُهُ مُمْكِنًا بِقُرْبِ الْمَسْجِدَيْنِ بِمَنْزِلِهِ. اهـ. ق ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ، أَوْ مُسَافِرَانِ أَيْ: أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ لِقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَزِيَادَتُهُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِتَصِحَّ الْخُطْبَةُ فِي غَيْبَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْكَافِ. اهـ وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: مَرِيضَانِ، أَوْ صَحِيحَانِ مُقِيمَانِ وَأَدْرَكَا الْإِمَامَ فِي رَكْعَةٍ وَإِلَّا فَهُمَا فَاسِقَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ مُسَافِرَانِ) أَيْ: ثِقَتَانِ. اهـ إيعَابٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ كَافٍ فِي ذَلِكَ. اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ شَوْبَرِيٌّ وم ر (قَوْلُهُ: صَلَّوْا ظُهْرًا) أَيْ: اسْتِئْنَافًا إنْ طَالَ الْفَصْلُ، وَبِنَاءً إنْ قَصُرَ وَهَذَا وَجْهُ مُغَايَرَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute