للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ (مُتَوَطِّنًا) بِمَحَلِّهَا أَيْ: لَا يَظْعَنُ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِيهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا» كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُعَادَةً وَلَا مَانِعَةً مِنْ الِانْعِقَادِ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهَا لَهُمْ فَرَاجِعْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَايَتَيْنِ لِلرَّدِّ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ م ر وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى، وَالثَّانِي كَالْمُسَافِرِينَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ حَيْثُ كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالثَّانِي وَنَقَلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ إذْ الْغَالِبُ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَتَنْعَقِدُ بِالْجِنِّ حَيْثُ عُلِمَتْ ذُكُورَتُهُمْ وَكَانُوا عَلَى صُورَة الْآدَمِيِّينَ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ سم ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: مُكَلَّفًا) أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْخُنْثَى، وَالْمُسَافِرُ فَتَصِحُّ مِنْهُمْ وَلَا تَلْزَمُهُمْ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُتَوَطِّنِ فَتَلْزَمُهُ قَطْعًا وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْكَمَالِ عَكْسُ هَذَا، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ هُوَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ أَعْذَارِهَا غَيْرُ السَّفَرِ وَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ النَّاسَ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ: بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ، وَالصِّحَّةِ، وَالِانْعِقَادِ أَحَدُهَا: مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ وَهُوَ الْكَامِلُ. ثَانِيهَا: مَنْ انْتَفَتْ كُلُّهَا عَنْهُ وَهُوَ الْمَجْنُونُ. ثَالِثُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ اللُّزُومُ وَالصِّحَّةُ وَهُوَ الْمُقِيمُ. رَابِعُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالِانْعِقَادُ وَهُوَ الْمَعْذُورُ بِنَحْوِ الْمَطَرِ. خَامِسُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ اللُّزُومُ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ.

سَادِسُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَرْأَةُ، وَالْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُمَا. ز ي وَبِرْمَاوِيٌّ قُلْت: وَهَلَّا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُكَلَّفِينَ أَحْرَارًا إلَخْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْجَمِيعِ لِيُطَابِقَ الصِّفَةُ الْمَوْصُوفَ، وَأَجِيبَ بِأَنَّهُ أَفْرَدَهَا وَجَعَلَهَا تَمْيِيزًا مُرَاعَاةً لِلِاخْتِصَاصِ (قَوْلُهُ: حُرًّا) أَيْ: كُلُّهُ فَلَا تَنْعَقِدُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: مُتَوَطِّنًا) فَلَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْمُتَوَطِّنِ كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ، وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ اج وَح ف وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهَا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُمْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعْت كُلُّ وَاحِدَةٍ نِدَاءَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ. م ر.

(قَوْلُهُ: أَيْ: لَا يَظْعَنُ) فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ بِبَلَدَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا كَثُرَتْ فِيهِ إقَامَتُهُ فَإِنْ اسْتَوَتْ فِيمَا فِيهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ فَالْعِبْرَةُ بِمَا فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِمَا هُوَ فِيهِ حَالَةَ الْجُمُعَةِ. ح ل وق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجَمِّعْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مُشَدَّدًا يُقَالُ جَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالُ عَيَّدُوا إذَا شَهِدُوا الْعِيدَ كَمَا قَالَهُ. ع ش وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ: أَنَّ الْجُمُعَةَ شَرْطُهَا الْأَبْنِيَةُ وَعَرَفَةُ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الْجُمُعَةَ لِعَدَمِ الْأَبْنِيَةِ الثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُقِيمًا يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ وَالْجَمْعُ شَرْطُهُ السَّفَرُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا نُقِلَ عَنْ ز ي وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا لَكِنَّهُ لَمْ يُجَمِّعْ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ إنْ كَانَتْ قَاطِعَةً لِلسَّفَرِ، وَكَانَتْ فِي عَرَفَةَ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَجَمَعَ بِهِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِقَامَةِ غَيْرَ قَاطِعَةٍ لِلسَّفَرِ وَأَيْضًا عَرَفَةُ لَيْسَ فِيهَا أَبْنِيَةٌ فَلَمْ يُجَمِّعْ لِعَدَمِ الْأَبْنِيَةِ لَا لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عَرَفَةَ وَكَانَ عَزْمُهُ عَلَى إقَامَةٍ قَاطِعَةٍ لِلسَّفَرِ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِعَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَإِنَّمَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرٍ مِنْ وَطَنِهِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ نَوَى قَبْلُ إلَخْ.

فَعَدَمُ تَجْمِيعِهِ حِينَئِذٍ لِلسَّفَرِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُهُ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ الْعَزِيزِيُّ هَذَا التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيْ: بِمَكَّةَ بَعْدَ عَرَفَةَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى سَفَرِهِ فَلِهَذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا، وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَقِيلَ كَانَ مُقِيمًا وَالْجَمْعُ لِلنُّسُكِ كَمَا قَالَ: بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْلِيلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>