وَفِي التَّنْزِيلِ {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] أَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُسَنُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ اتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ فِي وَصْفِهِ.
(وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا عَرَبِيَّتَيْنِ) وَالْمُرَادُ أَرْكَانُهُمَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَلَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا خَطَبَ بِغَيْرِهَا أَوْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ سُؤَالٍ: مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ؟ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (وَ) كَوْنُهُمَا (فِي الْوَقْتِ) أَيْ: وَقْتِ الظُّهْرِ لِلِاتِّبَاعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَا يَكْفِي فِي الرُّكْنِيَّةِ دُخُولُ أَرْبَعِينَ فِي دُعَائِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ بِقَصْدِهِمْ فَقَطْ وَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي التَّنْزِيلِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِصِيغَةِ الذُّكُورِ مَا يَشْمَلَ الْإِنَاثَ. ع ش (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) لَمْ يَقُلْ: مِنْ الْقَانِتَاتِ إشَارَةً إلَى قُوَّةِ عِبَادَتِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ عِبَادَةَ الذُّكُورِ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ إلَخْ) وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَحَلُّهُ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِفِعْلِهِ فِي الْأُولَى أَيْضًا لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ أَلْيَقُ بِالْخَوَاتِيمِ كَمَا فِي م ر وع ش عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ وَاجِبٌ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ غَالِبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ فِي قِيَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ) أَيْ: مُبَالَغَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْحَدِّ كَأَنْ يَقُولَ: أَخْفَى أَهْلُ الشِّرْكِ مَثَلًا وَفِيهِ أَنَّ الْمُجَازَفَةَ فِي وَصْفِهِ لَيْسَتْ مِنْ الدُّعَاءِ حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا عُدَّتْ كَأَنَّهَا مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْأَوْصَافِ الْكَاذِبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ كَوْنُهُمَا عَرَبِيَّتَيْنِ) فَلَوْ لَحَنَ فِيهِمَا لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى هَلْ يَأْتِي فِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُؤَثِّرْ، أَوْ قَبْلَهُ أَثَّرَ وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إلَّا إنْ كَانَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَأَمَّا الْقَوْمُ لَوْ شَكُّوا أَوْ بَعْضُهُمْ فِي تَرْكِ الْخَطِيبِ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ مُطْلَقًا. ح ل وَيُؤَثِّرُ الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْأُولَى ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ أَرْكَانُهُمَا) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا بَيْنَ أَرْكَانِهِمَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَضُرَّ قَالَ: م ر مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِلَّا ضَرَّ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُوَالَاةِ كَالسُّكُوتِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ إذَا طَالَ بِجَامِعِ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ لَغْوٌ لَا يُحْسَبُ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيِّ فَهُوَ لَغْوٌ سم وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الضَّرَرِ مُطْلَقًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّكُوتِ بِأَنَّ فِي السُّكُوتِ إعْرَاضًا عَنْ الْخُطْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّ فِيهِ وَعْظًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ. ع ش.
(قَوْلُهُ: خَطَبَ بِغَيْرِهَا) أَيْ: بِلُغَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا الْقَوْمُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْسَنَ مَا يَفْهَمُونَهُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ز ي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَكَتَبَ أَيْضًا فَقَوْلُهُ: خَطَبَ بِغَيْرِهَا هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْآيَةَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَمَّا هِيَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُتَرْجَمُ عَنْهُ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُ حِينَئِذٍ. سم وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَوْبَرِيٌّ أَيْ: يَأْتِي بَدَلَهَا بِذِكْرٍ، ثُمَّ دُعَاءٍ، ثُمَّ وَقْفَةٍ قَدْرَهَا وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْسَنَ مَا يَفْهَمُونَهُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِاللُّغَةِ الَّتِي يُحْسِنُهَا الْقَوْمُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَوْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا) أَيْ: وَلَوْ بِالسَّفَرِ وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) وَإِنْ زَادُوا عَلَى الْأَرْبَعِينَ. م ر (قَوْلُهُ: بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ بِسَمَاعِهِمْ فَرَاجِعْهُ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ الْقَاضِي) الْمُرَادُ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ) وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا يَأْتِي فِي الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. ح ل (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ) كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَعِظُهُمْ وَلَا يَعْلَمُونَ الْمَوْعُوظَ بِهِ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُمَا فِي الْوَقْتِ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الشَّرْطِ الِاحْتِرَازُ عَنْ إيقَاعِهِمَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ م ر وَالثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ: كَوْنُهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ إذْ لَوْ جَازَ تَقْدِيمُهُمَا لَقَدَّمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْفِيفًا عَلَى الْمُبَكِّرِينَ، وَإِيقَاعًا لِلصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. اهـ وَلَوْ هَجَمَ وَخَطَبَ فَبَانَ فِي الْوَقْتِ صَحَّ. شَوْبَرِيٌّ وَعِ ش عَلَى م ر وَقَالَ: سم بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute