للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَعَادَ الْكَلَامَ فَقَالَ: لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّالِثَةِ مَا أَعْدَدْت لَهَا؟ فَقَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا فَيَسْكُتُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ.

(وَ) سُنَّ (كَوْنُهُمَا عَلَى مِنْبَرٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (فَ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ فَعَلَى (مُرْتَفَعٍ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمِنْبَرِ فِي بُلُوغِ صَوْتِ الْخَطِيبِ النَّاسَ، وَسُنَّ كَوْنُ ذَلِكَ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ وَتَعْبِيرِي بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَوْ (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) إذَا انْتَهَى إلَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارَقَتِهِ لَهُمْ (وَ) أَنْ (يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) الْمِنْبَرَ أَوْ نَحْوَهُ وَانْتَهَى إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ (وَ) أَنْ (يُسَلِّمَ) عَلَيْهِمْ (ثُمَّ يَجْلِسُ فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْجَمِيعِ رَوَاهُ فِي الْأَخِيرِ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْبَقِيَّةِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السَّلَامِ وَالْجُلُوسِ مَعَ قَوْلِي: وَاحِدٌ مِنْ زِيَادَتِي.

ــ

[حاشية البجيرمي]

ذَلِكَ فَلَهُ الصَّلَاة حَالَ اشْتِغَالِهِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا تَحْرُمُ نَعَمْ تُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا بِقُرْبِ الْإِقَامَةِ لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّ شَيْخَنَا حَجّ أَلْحَقَ تَوَابِعَ الْخُطْبَةِ بِهَا فَلْيُحَرَّرْ وَلْيُرَاجَعْ. اهـ. سم وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا كَمَا فِي م ر.

(قَوْلُهُ: أَنَّ رَجُلًا) هُوَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَهَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ قَوْلِيَّةٌ، وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا. ق ل (قَوْلُهُ: وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ) أَيْ: عَازِمٌ عَلَى الْخُطْبَةِ وَإِلَّا فَجَوَابُهُ لَوْ فُرِضَ فِي الْخُطْبَةِ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ قَلِيلٌ شَوْبَرِيٌّ وَفِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ فِيهِمَا وَإِذَا كَانَ مَا ذُكِرَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى فَالْأَوْلَى بَقَاءُ " يَخْطُبُ " عَلَى ظَاهِرِهِ. (قَوْلُهُ: مَا أَعْدَدْت لَهَا) عَدَلَ مِنْ جَوَابِ سُؤَالِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْغَيْبِ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ التَّعَلُّقُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهَا فَهُوَ مِنْ تَلَقِّي السَّائِلِ بِغَيْرِ مَا يَطْلُبُ تَنْزِيلًا لِسُؤَالِهِ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٥] الْآيَة. وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: ١٨٩] الْآيَةَ. وَإِجَابَةُ السَّائِلِ بِقَوْلِهِ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى عَمَلِهِ الظَّاهِرِ بَلْ طَرَحَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ إلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَبُولِهِ، وَقَوْلُهُ: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَعْدَدْت، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وَالْمَعْنَى حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْدَدْته لَهَا. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا وَهُوَ مِنْ وَاقِعِ الْأَحْوَالِ فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ، وَأَيْضًا وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ لَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال بِهَا بِالِاحْتِمَالِ إنْ كَانَتْ فِعْلِيَّةً وَهَذِهِ قَوْلِيَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا لَا يُقَالُ: بَلْ هِيَ فِعْلِيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: جَوَابُهُ لَهُ قَوْلٌ مُتَضَمِّنٌ لِجَوَازِ سُؤَالِهِ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ. ح ل.

(قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا) أَيْ: مَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُمَا لَوْ أَصْغَى. ح ل (قَوْلُهُ: فَيَسْكُتُ، أَوْ يَشْتَغِلُ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر نَعَمْ الْأَوْلَى لِغَيْرِ السَّامِعِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ، أَوْ الذِّكْرِ. اهـ فَالِاشْتِغَالُ بِالتِّلَاوَةِ، أَوْ الذِّكْرِ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ أَيْ: الْمَجْمُوعِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ فَلَوْ قَالَ: وَسُنَّ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا الِاشْتِغَالُ بِالذِّكْرِ، أَوْ التِّلَاوَةِ لَوَافَقَ عِبَارَتَهُ وَهِيَ إنْ قُلْنَا: لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ سُنَّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ وَإِنْ قُلْنَا: يَحْرُمُ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ السُّكُوتِ، وَالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ يَسْمَعُ لَا يَقْرَأُ، وَلَا يَذْكُرُ، وَإِنْ جَازَ لَهُ الْكَلَامُ شَوْبَرِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: أَوْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ، أَوْ الْقِرَاءَةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ اشْتِغَالُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدِّمًا لَهَا عَلَى التِّلَاوَةِ لِغَيْرِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَالذِّكْرِ لِأَنَّهَا شِعَارُ الْيَوْمِ. ع ش

(قَوْلُهُ: عَلَى مِنْبَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مُشْتَقٌّ مِنْ النَّبْرِ بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ وَهُوَ: الِارْتِفَاع وَسَوَاءٌ فِي مَكَّةَ وَغَيْرِهَا. ق ل (قَوْلُهُ: فَمُرْتَفَعٌ) وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْمَنَابِرِ الْمُعْتَادَةِ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَسُنَّ كَوْنُ ذَلِكَ) أَيْ: الْمِنْبَرِ، أَوْ الْمُرْتَفَعِ وَقَوْلُهُ: عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ أَيْ: عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ كَمَا فِي ز ي وع ش وَإِلَّا فَكُلُّ شَيْءٍ اسْتَقْبَلْته فَيَمِينُك يَسَارُهُ، وَيَسَارُك يَمِينُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ فِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا. ع ش (قَوْلُهُ: وَلِمُفَارَقَتِهِ لَهُمْ) أَيْ: بِاشْتِغَالِهِ بِصُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْقَوْمَ لِشُغْلٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ سُنَّ لَهُ السَّلَامُ، وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ جِدًّا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ فِي مَقَاصِدِ التَّحْدِيثِ، وَلِذَلِكَ طُلِبَ كَوْنُ الْمِنْبَرِ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِدْبَارُ خَلْقٍ كَثِيرٍ.

(قَوْلُهُ: فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ مُرَقٍّ يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَقُولُ: " إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ " الْآيَةَ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَدِيثِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ جَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>