لِخَبَرِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَخَبَرِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فَقَوْلِي يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَذِكْرُ إكْثَارِ الْقِرَاءَةِ مِنْ زِيَادَتِي
(وَكُرِهَ تَخَطٍّ) رِقَابَ النَّاسِ لِلْحَثِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (إلَّا لِإِمَامِ) لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَّا بِتَخَطٍّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَقَدْ وَرَدَ " أَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا أَمِنَ مِنْ الدَّجَّالِ " (قَوْلُهُ لِخَبَرِ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ) فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى إكْثَارُ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ يَصْدُقُ بِمَرَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِكْثَارِ بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا مَرَّةً مَا ذُكِرَ فَكَيْفَ بِالْأَكْثَرِ شَيْخُنَا ح ف
(قَوْلُهُ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَا وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِ ذُنُوبِهِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ بَيْنَهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالنُّورِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ نُورُ الْأَقْرَبِ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِقَدْرِ نُورِ الْأَبْعَدِ عَنْهُ لَوْ جُمِعَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ فِي النُّورِ سِيَّانِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الْكَعْبَةُ فَإِنْ أُرِيدَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ اتَّجَهَ مَا ذَكَرْنَاهُ ح ل وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُصُولِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ بِحَيْثُ لَوْ جُسِّمَ لَكَانَ مِقْدَارُهُ مِنْ مَكَانِهِ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَكَانِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِالزَّمَانِ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَخَطٍّ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ النَّصِّ حُرْمَتُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَات، م ر فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ تَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيذَاءَ حَرَامٌ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» ؟ قُلْت لَيْسَ كُلُّ إيذَاءٍ حَرَامًا وَلِلْمُتَخَطِّي هُنَا غَرَضٌ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَمِنْ التَّخَطِّي الْمَكْرُوهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي أَمَّا السُّؤَالُ بِمُجَرَّدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي خَيْرٍ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرْغَبْ الْحَاضِرُونَ الَّذِينَ يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ ع ش عَلَى م ر. وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ فَرْشِ السَّجَّادَاتِ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفَجْرِ أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ حُضُورِ أَصْحَابِهَا مَعَ تَأْخِيرِهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا لَا بُعْدَ فِي كَرَاهَتِهِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَيُكْرَهُ بَعْثُ سَجَّادَةٍ وَنَحْوِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ مَعَ عَدَمِ إحْيَاءِ الْبُقْعَةِ خُصُوصًا فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ، اهـ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ح ل أَنَّ الْبَعْثَ الْمَذْكُورَ حَرَامٌ وَنَصُّهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَفْرِشُ لَهُ نَحْوَ سَجَّادَةٍ لِمَا فِيهِ إلَخْ وَقَوْلُ م ر بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ أَيْ تَحْرِيمِ الْفَرْشِ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ ع ش عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ وَالرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا فِي الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِ م ر لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةَ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاقِعُ فِيهَا ذَلِكَ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ: رِقَابَ النَّاسِ) أَيْ قَرِيبَ رِقَابِ النَّاسِ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَتَخَطَّى إلَّا الْكَتِفَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِالرِّقَابِ الْجِنْسُ فَيُكْرَهُ تَخَطِّي رَقَبَةٍ أَوْ رَقَبَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبِ الْجَالِسِ وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرْجَةٌ فِي الصُّفُوفِ يَمْشِي فِيهَا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَآنَيْت أَيْ تَأَخَّرْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا لِإِمَامِ) وَكَالْإِمَامِ الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ لِصَلَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ عِلْمٍ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ سَوَاءٌ أَلِف مَوْضِعًا أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا لَمْ يَتَخَطَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَحِلٌّ مَأْلُوفٌ وَكَالْإِمَامِ مَنْ جَلَسَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ فَلَا يُكْرَهُ تَخَطِّيه وَكَذَا لَوْ سَبَقَ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ إلَى الْجَامِعِ وَتَوَقَّفَ سَمَاعُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى تَخَطِّي الْكَامِلِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّخَطِّي بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَبِهِ يُقَيَّدُ قَوْلُهُمْ إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُقَامُ مِنْ مَحَلِّهِ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى شَرْحِ م ر اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute