للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٢]

(وَيَقُولَ فِي) الْخُطْبَةِ (الْأُولَى: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا) أَيْ مَطَرًا (مُغِيثًا) أَيْ مَرَوِيًّا مُشْبِعًا (إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ: هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلِّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا أَيْ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ أَيْ الْمَطَرَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا أَيْ كَثِيرًا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْهَنِيءُ الطَّيِّبُ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ، وَالْمَرِيءُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةُ، وَالْمَرِيعُ ذُو الرِّيعِ أَيْ النَّمَاءِ، وَالْغَدَقُ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَالْمُجَلِّلُ مَا يُجَلِّلُ الْأَرْضَ أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ، وَالسُّحُّ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالطَّبَقُ مَا يُطْبِقُ الْأَرْضَ فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا (وَيَتَوَجَّهُ) لِلْقِبْلَةِ (مِنْ نَحْوِ ثُلُثِ) الْخُطْبَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (وَحِينَئِذٍ يُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا) قَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكُفَّهُمْ إلَى السَّمَاءِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَيَجْعَلَ يَمِينَ رِدَائِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ فَمَا قَبْلَهُ مُسْتَثْنًى أَيْضًا تَأَمَّلْ

. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى) هَذَا مُسْتَأْنَفٌ لَا مَعْطُوفٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَسْقِنَا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى فَقَدْ وَرَدَ الْمَاضِي ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا قَالَ تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الإنسان: ٢١] وَقَالَ تَعَالَى {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦] (قَوْلُهُ: مُغِيثًا) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ وَيَرْوِيهِمْ وَيُشْبِعُهُمْ (قَوْلُهُ: مَرِيعًا) هُوَ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَبِالتَّحْتِيَّةِ مَا يَأْتِي بِالرِّيعِ وَالزِّيَادَة وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ مَعَ ضَمَّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ يَكُونُ سَبَبًا فِي أَكَلَ الرَّبِيعِ مِنْ أَرْبَعَ الْبَعِيرُ إذَا أَكَلَ الرَّبِيعَ، وَبِالْفَوْقِيَّةِ مَعَهُمَا مِنْ أَرَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ إذَا أَكَلَتْ مَا شَاءَتْ وَكُلٌّ مُنَاسِبٌ هُنَا اهـ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ) أَيْ الْغَرَضِ الشَّامِلِ لِلزِّيَادَةِ النَّافِعَةِ وَدَفَعَ قَوْلُهُ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ مَا يُقَالُ رُبَّمَا كَانَ دَوَامُهُ مِنْ الْعَذَابِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْقَانِطِينَ أَيْ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَتِكَ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْمَطَرِ عَنَّا ح ف (قَوْلُهُ: أَيْ كَثِيرًا) وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَهُ بِكَثِيرِ الدَّرِّ أَيْ الصَّبّ (قَوْله أَيْ النَّمَاءِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي نَفْسه أَيْ كَثِيرٍ فِي نَفْسه وَقَوْلُهُ كَثِيرُ الْخَيْرِ أَيْ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ نَبَات الزَّرْع وَالثِّمَار شَيْخنَا (قَوْله كَجُلِّ الْفَرَس) أَيْ الَّذِي يُوضَع عَلَى ظُهْرهَا تَحْت السَّرْج وَقَوْله شَدِيدُ الْوَقْعِ لِيَغُوصَ فِيهَا مَأْخُوذ مِنْ سَحَّ الْمَاء إذَا نَزَلَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَل وَيُقَال سَاحَ الْمَاء إذَا جَرَى عَلَى وَجْه الْأَرْض ح ل (قَوْله مَا يُطَبِّقُ الْأَرْض) بِضَمِّ التَّحْتِيَّة وَسُكُونِ الطَّاء وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَطْبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ طَبَق اهـ مُخْتَار اط ف قَالَ ع ش وَيَجُوز فِيهِ ضَمُّ أَوَّله وَتَشْدِيد الْبَاء كَمَا فِي الْقَامُوس فَفِي الْقَامُوس طَبَق الشَّيْء تَطْبِيقًا عَمَّ وَفِي الْمُخْتَار وَأَطْبَقَ الشَّيْء غَطَّاهُ (قَوْله كَالطَّبَقِ) أَيْ يَصِير عَلَى الْأَرْض كَطَبَقَةِ ثَانِيَة (قَوْله وَيَتَوَجَّه مِنْ نَحْو ثُلُثِ) أَيْ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ أَيْ لِلدُّعَاءِ فِي الْأُولَى لَمْ يُعِدْهُ فِي الثَّانِيَة أَيْ لَا تُطْلَبُ إعَادَتُهُ بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهَا وَكَذَا يَنْبَغِي كَرَاهَةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْأُولَى وَإِنْ أَجْزَأَ عَنْ الِاسْتِقْبَال فِي الثَّانِيَة ع ش اط ف (قَوْله سِرًّا وَجَهَرَا) وَحِينَئِذٍ يُسِرُّ الْقَوْمُ حَالَة إسْرَاره وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ حَالَة جَهْرِهِ. اهـ. ح ل.

(قَوْله وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ) غَيْر الْمُتَنَجِّسَة حَيْثُ لَا حَائِل فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِل احْتَمَلَ عَدَمُ الْكَرَاهَة (قَوْله مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكْفِهِمْ إلَخْ) ظَاهِره أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى فِي قَوْلهمْ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْث وَهُوَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَقْصُود بِهِ رَفْعَ الْبَلَاءِ كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله وَالْحِكْمَةُ إلَخْ اط ف أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِر طَلَبَ تَحْصِيلِ الْغَيْثِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخنَا ح ف وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ ظَاهِره أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى فِي قَوْلهمْ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْث وَنَحْوِهِ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ رَفْعَ الْبَلَاء وَيُخَالِفهُ مَا مَرَّ فِي الْقُنُوت وَعِبَارَته وَيَجْعَلُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاء إنَّ دَعَا بِرَفْعِ بَلَاءٍ وَنَحْوِهِ وَعَكَسَهُ إنَّ دَعَا بِتَحْصِيلِ شَيْء أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاء اهـ وَيُمَكِّنُ رَدَّ مَا فِي الْقُنُوت إلَى مَا هُنَا بِأَنْ يُقَال مَعْنَى قَوْلهمْ إنْ طَلَبَ رَفْعَ شَيْء أَيْ إنَّ طَلَبَ مَا الْمَقْصُود مِنْهُ رَفْعَ شَيْء وَمَعْنَى قَوْلهمْ إنْ دَعَا بِتَحْصِيلِ شَيْء أَيْ إنْ دَعَا بِطَلَبِ تَحْصِيلٍ شَيْءٍ اهـ وَلَوْ اجْتَمَعَ التَّحْصِيلُ وَالرَّفْعُ رَاعَى الثَّانِي كَمَا لَوْ سَمِعَ شَخْصًا دَعَا بِهِمَا فَقَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ق ل (قَوْلُهُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاء) وَلَا فَرَّقَ بَيْن كَوْن الْبَلَاء وَاقِعًا أَوْ لَا لِأَنَّ الْقَصْد رَفْعُ وُقُوعِهِ لَوْ وَقَعَ اط ف (قَوْلُهُ وَيَجْعَل يَمِينَ رِدَائِهِ) أَيْ بَعْد الِاسْتِقْبَال كَمَا فِي الْوَسِيط وَيُفِيدهُ كَلَام الْمُصَنِّف إنَّ عُطِفَ عَلَى قَوْله يُبَالِغ تَأْمُل وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُحَوِّلُ قَبْلَهُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ شَوْبَرِيٌّ قَالَ ع ش وَيُوَجَّهُ كَوْنُهُ بَعْدَ الِاسْتِقْبَال بِأَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ مَشْغُولٌ بِالْوَعْظِ وَأَنَّهُ يُورِثُ مَشَقَّة فِي الْجَمْع بَيْن التَّحْوِيل وَالِالْتِفَات اهـ وَمَحَلُّ هَذَا الْجَعْلِ إنْ كَانَ لَابِسًا لَهُ وَانْظُرْ هَلْ يُسْتَحَبّ أَنْ يَلْبَسَهُ لِذَلِكَ يَظْهَر نَعَمْ لِيُحَصِّلَ هَذِهِ السُّنَّةَ وَوَافَقَ عَلَيْهِ شَيْخنَا ز ي. (فَائِدَة)

«كَانَ طُولُ رِدَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا» كَمَا فِي شَرْح م ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>