وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَزَادَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ» (ثُمَّ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ إلَى آخِرِهِ) تَتِمَّتُهُ وَابْنُ عَبْدَيْك خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا أَيْ نَسِيمِ رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ أَيْ مِنْ الْأَهْوَالِ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْك
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَصَغِيرِنَا) أَيْ: إذَا بَلَغَ وَاقْتَرَفَ الذَّنْبَ أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ فِي الصِّفَاتِ أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ حَقِيقَةً وَالدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَنْبٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِزِيَادَةِ دَرَجَاتِ الْقُرْبِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ «اسْتِغْفَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ» حَجّ فِي الدُّرِّ الْمَنْضُودِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ (قَوْلُهُ: فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَةُ الْإِسْلَامِ لِلْحَيَاةِ وَالْإِيمَانِ لِلْوَفَاةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كِنَايَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ وَالْمُرَادُ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ الَّذِي يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهِ عِنْدَ الْوَفَاةِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا إلَخْ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: عَبْدُكَ) مَرْفُوعٌ أَوْ مَنْصُوبٌ بِارْحَمْ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدَيْك) يَعْنِي أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ: م ر فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَابْنُ أَمَتِك. (قَوْلُهُ: مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْأَفْصَحَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ فِي الرَّوْحِ الضَّمُّ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: ٨٩] وَفِي السَّعَةِ الْكَسْرُ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ:
وَسَعَةٌ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْزَانِ ... وَالْكَسْرُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصَّاغَانِيِّ
ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْ: نَسِيمِ رِيحِهَا) مِنْ إضَافَةِ الْأَخَصِّ إلَى الْأَعَمِّ إذْ النَّسِيمُ نَوْعٌ مِنْ الرِّيحِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلرَّوْحِ وَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لِلسَّعَةِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ) الْمَشْهُورُ فِي مَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ ح ل (قَوْلُهُ: أَيْ: مَا يُحِبُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ أَحَبَّ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَكَسْرُ الْحَاءِ مِنْ حَبَّ لُغَةً فِي أَحَبَّ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ أَيْ: الشَّيْءِ الَّذِي يُحِبُّهُ عَاقِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ فَلِذَا عَبَّرَ فِيهِ بِمَا وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُحِبُّهُ تَفْسِيرٌ لِلثَّانِي وَلَا يَكُونُ إلَّا عَاقِلًا فَعَبَّرَ فِيهِ بِمَنْ كَمَا قَالَهُ اط ف وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: أَيْ: مَا يُحِبُّهُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمَيِّتِ وَالْبَارِزُ لِمَحْبُوبِ الْمَيِّتِ مِنْ عَاقِلٍ وَغَيْرِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِبْرَازُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يُحِبُّهُ رَاجِعٌ لِمَنْ الْوَاقِعَةِ عَلَى الشَّخْصِ الْمُحِبِّ، وَالْبَارِزُ رَاجِعٌ لِلْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ: وَمَا هُوَ لَاقِيهِ) قَالَ: حَجّ أَيْ: مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْ: مِنْ الْأَهْوَالِ. (قَوْلُهُ: كَانَ يَشْهَدُ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ: دَعَوْنَاك لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَيْ: بِحَسَبِ مَا تَعَلَّمَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ أَيْ: مِنَّا وَهُوَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَيْهِ تَعَالَى خَوْفًا مِنْ كَذِبِ الشَّهَادَةِ فِي الْوَاقِعِ وَقِيلَ إنَّهُ تَبَرُّؤٌ مِنْ عُهْدَةِ الْجَزْمِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ) أَيْ: صَارَ ضَيْفًا عِنْدَك وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ إفْرَادُهُ وَتَذْكِيرُهُ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى وَسَوَاءٌ كَانَ مُثَنًّى أَوْ مَجْمُوعًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ فَيُذَكِّرُ مَعَ الْمُذَكَّرِ وَيُؤَنِّثُ مَعَ الْمُؤَنَّثِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ كَفَرَ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ز ي وَغَيْرُهُ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرَ خَيْرُ كَرِيمٍ مَنْزُولٍ بِهِ أَيْ: تَنْزِلُ بِذَلِكَ الْكَرِيمِ الضِّيفَانُ فَإِنْ قَدَّرْتَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفَ جَمْعًا كَانَ الضَّمِيرُ جَمْعًا كَأَنْ تَقُولَ خَيْرُ كُرَمَاءَ مَنْزُولٍ بِهِمْ أَيْ: بِتِلْكَ الْكُرَمَاءِ فَالْمَدَارُ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَلَا يُنْظَرُ لِلْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَقَالَ: شَيْخُنَا ح ف وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْحَوَاشِي مِنْ رُجُوعِهِ لِلَّهِ لَا يَظْهَرُ أَصْلًا وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْمَوْصُوفِ مُؤَنَّثًا بِأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَأَنْتَ خَيْرُ ذَاتٍ يَنْزِلُ بِهَا الضِّيفَانُ وَقَوْلُهُ: لَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ عَلَيْهِ وَأَنْتَ يَا أَللَّهُ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِاَللَّهِ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَصْبَحَ فَقِيرًا) أَيْ: صَارَ شَدِيدَ الْفَقْرِ إلَى رَحْمَتِك وَإِلَّا فَهُوَ فَقِيرٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ جِئْنَاك) هَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ كَالْقُنُوتِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَقُولُ جِئْتُك شَافِعًا أَوْ هُوَ عَامٌّ فِي الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَيَقُولُ الْمُنْفَرِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إتْبَاعًا لِلْوَارِدِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute