للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهِيَ أَنْوَاعٌ تَأْتِي فِي أَبْوَابٍ.

(بَابُ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) بَدَءُوا بِهَا وَبِالْإِبِلِ مِنْهَا لِلْبُدَاءَةِ بِالْإِبِلِ فِي خَبَرِ أَنَسٍ الْآتِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ (تَجِبُ) أَيْ الزَّكَاةُ (فِيهَا) أَيْ فِي الْمَاشِيَةِ (بِشُرُوطٍ) أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا (كَوْنُهَا نَعَمًا) قَالَ الْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَنْطُوقُ الْآيَةِ مُوَافِقٌ لِأَصْلِ الْحِلِّ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُتَمَحِّضَةً فَمَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ مُوَافِقٌ لَهُ فَعَلِمْنَا بِهِ وَمَعَ هَذَيْنِ يَتَعَذَّرُ الْقَوْلُ بِالْإِجْمَالِ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَالْحِلُّ قَدْ عُلِمَتْ دَلَالَتُهُ مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ فَوَجَبَ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ الْمَعْمُولِ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ.

وَأَمَّا إيجَابُ الزَّكَاةِ الَّذِي هُوَ مَنْطُوقُ اللَّفْظِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ بَيَانِهِ مَعَ إجْمَالِهِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُجْمَلِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ فِيهِمَا أَحَادِيثُ الْبَابَيْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَنَى بِأَحَادِيثِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الرِّبَا وَغَيْرِهِ فَأَكْثَرَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ لِبَيَانِهَا لِكَوْنِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَا لِبَيَانِ الْبُيُوعَاتِ الصَّحِيحَةِ اكْتِفَاءً بِالْعَمَلِ فِيهَا بِالْأَصْلِ وَفِي الزَّكَاةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَاعْتَنَى بِبَيَانِ مَا تَجِبُ فِيهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ لَا بَيَانِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ اكْتِفَاءً بِأَصْلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَمِنْ ثَمَّ طُولِبَ مَنْ ادَّعَى الزَّكَاةَ فِي نَحْوِ خَيْلٍ وَرَقِيقٍ بِالدَّلِيلِ اهـ.

وَأَتَى بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فِيهِ أَنَّ الْخَمْسَ هِيَ نَفْسُ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بُنِيَ بِمَعْنَى اشْتَمَلَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسِ، لِأَنَّ الْكُلَّ يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْزَائِهِ أَوْ يُقَالُ عَلَى بِمَعْنَى مِنْ وَبُنِيَ بِمَعْنَى تَرَكَّبَ وَالتَّقْدِيرُ تَرَكَّبَ الْإِسْلَامُ مِنْ خَمْسٍ أَوْ أَنَّهُ شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِقَصْرٍ مَشِيدٍ عَلَى دَعَائِمَ خَمْسٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ بُنِيَ فَيَكُونُ تَخْيِيلًا وَعَلَى تَرْشِيحٌ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْوَاعٌ) أَيْ تَتَعَلَّقُ بِأَنْوَاعٍ وَلَوْ قَالَ بِأَجْنَاسٍ لَكَانَ أَوْلَى. وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ: حَيَوَانٌ وَنَبَاتٌ وَجَوْهَرٌ وَتَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ ثَلَاثَةٌ وَكَذَا النَّبَاتُ حَبٌّ وَتَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَالْجَوْهَرُ اثْنَانِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَتُدْفَعُ لِثَمَانِيَةٍ وَيَدْخُلُ فِي النَّقْدِ التِّجَارَةُ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا الْقِيمَةُ وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ خَمْسَةً فَجَعَلَ الْحَيَوَانَ ثَلَاثَةً: إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ وَالنَّبَاتَ وَالنَّقْدَ. وَبَعْضُهُمْ: سِتَّةً النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرَاتُ أَيْ مَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ وَالنَّقْدُ وَالتِّجَارَةُ وَالْمَعْدِنُ وَالْفِطْرُ. وَبَعْضُهُمْ سَبْعَةً: بِجَعْلِ الْحَيَوَانِ ثَلَاثَةً إبِلًا وَبَقَرًا وَغَنَمًا وَبِجَعْلِ النَّبَاتِ ثَلَاثَةً حَبًّا وَنَخْلًا وَعِنَبًا وَالنَّقْدِ وَاحِدًا وَبَعْضُهُمْ ثَمَانِيَةً بِجَعْلِ النَّقْدِ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَتُدْفَعُ لِثَمَانِيَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ جِنْسٍ وَهُوَ حَيَوَانٌ وَاخْتَصَّتْ بِالنَّعَمِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَنَبَاتٌ وَاخْتَصَّتْ بِالْمُقْتَاتِ مِنْهُ، لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ الْبَدَنِ.

وَجَوْهَرٌ وَاخْتَصَّتْ بِالنَّقْدِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَثَمَرٌ وَاخْتَصَّتْ بِالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ مِنْهُ لِلِاغْتِنَاءِ بِهِمَا عَنْ الْقُوتِ وَيَدْخُلُ فِي النَّقْدِ التِّجَارَةُ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهَا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ النَّمَاءِ الْمَحْضِ.

(بَابُ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) .

أَيْ بَعْضِ الْمَاشِيَةِ، وَهِيَ النَّعَمُ مِنْهَا أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ أَوْ الْمَعْنَى بَابُ الزَّكَاةِ الَّتِي فِي الْمَاشِيَةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَهَا فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي. وَلَفْظُهَا مُفْرَدٌ. وَجَمْعُهَا مَوَاشٍ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَشْيِهَا وَهِيَ تَرْعَى، وَالنَّعَمُ أَخَصُّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْمَاشِيَةُ أَخَصُّ مِنْهَا لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ شَيْخُنَا: لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ مُسَاوَاتُهَا لِلْحَيَوَانِ فَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ هُجِرَ فِي الْعُرْفِ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بَدَءُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِلْبُدَاءَةِ بِالْإِبِلِ إلَخْ) هُوَ تَعْلِيلٌ لِلدَّعْوَى الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا عِلَّةٌ لِلْأُولَى، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِعَدَمِ الْوَاوِ وَأَيْضًا أَكْثَرُ أَمْوَالِ االْعَرَبِ إنَّمَا هِيَ الْإِبِلُ فَيَكُونُ تَرَكَ دَلِيلَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَقَرَّرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى تُنْتِجُ الدَّعْوَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْإِبِلِ الْبُدَاءَةُ بِالْمَاشِيَةِ لِأَنَّهَا مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا كَوْنُهَا نَعَمًا) فِي هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ أَعَمُّ مِنْ النَّعَمِ. وَنَقَلَ حَجّ عَنْ الْقَامُوسِ أَنَّهَا أَخَصُّ مِنْ النَّعَمِ حَيْثُ قَالَ: الَّذِي فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>