للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» (يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) فِي حَقِّ مَنْ رَآهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا (أَوْ ثُبُوتِهَا) فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ (بِعَدْلِ شَهَادَةٍ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَنَقَلَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَمَلُوا التَّشْبِيهَ الْوَاقِعَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] عَلَى مُطْلَقِ الصَّوْمِ دُونَ قَدْرِهِ وَزَمَنِهِ وَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ بِحَمْلِ التَّشْبِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ

لِأَنَّهُ قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ:

وَفَرْضُ الصِّيَامِ ثَانِي الْهِجْرَةِ ... فَصَامَهُ تِسْعًا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ

أَرْبَعَةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمَا ... زَادَ عَلَى ذَا بِالْكَمَالِ اتَّسَمَا

كَذَا لِبَعْضِهِمْ وَقَالَ الْهَيْتَمِيّ ... مَا صَامَ كَامِلًا سِوَى شَهْرِ اعْلَمِي

وَلِلدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ شَهْرَانِ ... وَنَاقِصٌ سِوَاهُ خُذْ بَيَانِي

(قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ) وَلَوْ عَنْ نَحْوِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا. (قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ) لَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ عَيْنٍ لَكَانَ أَوْضَحَ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْمُفْطِرِ لَكِنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِالْعَيْنِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَامَعَ، أَوْ تَقَايَأَ، أَوْ ارْتَدَّ فَمَا ذَكَرَهُ أَوْلَى

غَايَتُهُ أَنَّهُ مُجْمَلٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِمَّا يَأْتِي ع ش عَلَى م ر

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر إمْسَاكُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ فِي جَمِيعِهِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ. قَوْلُهُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا م ر.

(قَوْلُهُ: يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ) مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِوُجُودِهِ عِنْدَ وَضْعِ اسْمِهِ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ وَضَعُوا اللُّغَةَ وَقَدْ سَمُّوا كُلَّ شَهْرٍ بِصِفَةِ مَا فِي زَمَنِهِ حَالَ وَضْعِهِ كَمَا سَمُّوا الرَّبِيعَيْنِ لِوُجُودِ زَمَنِ الرَّبِيعِ عِنْدَهُمَا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذِكْرِهِ بِدُونِ لَفْظِ شَهْرٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُثْبِتْ ق ل (قَوْلَهُ ثَلَاثِينَ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَجِبُ الصَّوْمُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ عِنْدَ الْغَيْمِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ بَلْ لَا يَجُوزُ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمُ إجْزَائِهِ عَنْهُ وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ شَرْحُ م ر وَقَوْلُ م ر نَعَمْ لَهُ إلَخْ قَالَ الزِّيَادِيُّ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحَاسِبِ الْأَخْذُ بِعِلْمِهِمَا، وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُمَا وَلَا يُنَافِيه مَنْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ مَا جَازَ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ وَيَجُوزُ اعْتِمَادُ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَابِرِ لَيْلَةَ أَوَّلِ رَمَضَانَ فَالْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ فَإِذَا عُلِّقَتْ الْقَنَادِيلُ، ثُمَّ أُزِيلَتْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ شَكٌّ حِينَئِذٍ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُمْ وَإِنْ اسْتَمَرَّ جَزْمُهُمْ صَحَّ صَوْمُهُمْ وَأَجْزَأَهُمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ لَا بِوَاسِطَةٍ نَحْوِ مِرْآةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ نَائِمٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِلًا لَهُ إنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ سَائِرِ الْمَرَائِي؛ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا يَضْبِطُ وَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَا حَقًّا. اهـ. ز ي. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَإِنْ دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ كَمَا نَقِ لَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ م ر وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ق ل عَلَى الْخَطِيبِ عَنْهُ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ ثُبُوتِهَا) أَيْ عِنْدَ حَاكِمٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ ثَبَتَ عِنْدِي هِلَالُ رَمَضَانَ، أَوْ حَكَمْت بِثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ. اهـ. حَجّ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَيْسَ هَذَا حُكْمًا حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا وَقَعَ بِوُجُودِ الْهِلَالِ وَبِلُزُومِ الصَّوْمِ نَاشِئٌ عَنْهُ وَتَابِعٌ لَهُ وَلَا يَحْكُمُ قَاضِي الضَّرُورَةِ بِعِلْمِهِ بَلْ يَشْهَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: بِعَدْلِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ كَانَ حَدِيدَ الْبَصَرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيدِ السَّمْعِ حَيْثُ لَا تَلْزَمُ بِسَمَاعِهِ الْجُمُعَةُ أَحَدًا حَتَّى السَّامِعِ بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا. اهـ. سم وحج وَالْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>