للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَأَخَذَا فِي الثَّانِيَةِ بِقِسْمَيْهَا مِنْ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ فِي حَقِّهِمَا.

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَحْدَهُمَا، أَوْ مَعَ وَلَدَيْهِمَا وَبِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَدِّيًا، أَوْ لِإِنْقَاذِ نَحْوِ مَالٍ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ وَبِخِلَافِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ إذَا أَفْطَرَتْ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ لِلشَّكِّ فِي الْأَخِيرَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى فِطْرٍ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا فِي مَعْنَى الْآدَمِيِّ فِي الرَّابِعَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْآدَمِيِّ، وَبِغَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ مِنْ زِيَادَتِي (كَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ تَمَكُّنِهِ) مِنْهُ (حَتَّى دَخَلَ) رَمَضَانُ (آخَرُ) فَإِنَّ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْمُدَّ لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِذَلِكَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ (وَيَتَكَرَّرُ) الْمُدُّ (بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ) ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِهِ فِي الْكِبَرِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ

(فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ الْمَذْكُورَ) أَيْ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ تَمَكُّنِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَوْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، أَوْ كَانَ الْوَلَدُ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَلَوْ كَلْبًا، أَوْ مِنْ زِنًا جَازَ لَهَا الْفِطْرُ مَعَ الْفِدْيَةِ وَهَذَا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأُمَّةُ فَتَبْقَى الْفِدْيَةُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعْتِقَ وَلَا تَصُومَ عَنْهَا قَالَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةَ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ لِلْإِرْضَاعِ الْخِيَارُ إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الْفِطْرِ ق ل.

(قَوْلُهُ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ) أَيْ حَصَلَ بِهِ رِفْقٌ وَانْتِفَاعٌ لِشَخْصَيْنِ وَهُمَا الْمُنْقِذُ وَالْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ فَلَمَّا انْتَفَعَ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ وَجَبَ الْأَمْرَانِ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَهَذَا التَّعْلِيلُ لِلْأُولَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَأَخْذًا فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ تَعْلِيلٌ لَهُمَا وَيَكُونُ تَعْلِيلُ الثَّانِي خَاصًّا بِالثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْآيَةِ السَّابِقَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] فَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ لَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ إلَّا فِي حَقِّ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ اهـ أَيْ وَلَمْ تُنْسَخُ فِي حَقِّهِمَا إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ عَمَّا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْقَادِرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ الْفِطْرِ بِلَا قَضَاءٍ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ، أَوْ صَوْمٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.

(قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:) دَلِيلٌ لِوَجْهِ الْأَخْذِ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُنْسَخْ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ وَنُسِخَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٤] فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا. فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَفْرَادَ مُرَادَةٌ وَإِذَا كَانَتْ الْأَفْرَادُ مُرَادَةً كَانَ الْإِخْرَاجُ نَسْخًا لَلْعَامِّ لَا تَخْصِيصًا وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بَقَاءُ جَمْعٍ يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَدَمِ نَسْخِهَا فِي حَقِّهِمَا وَنَسْخِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا يُنَافِيه قِرَاءَتُهُ يُطَوِّقُونَهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا تَفْسِيرَانِ. فَإِنْ قُلْت بَقَاؤُهَا فِي حَقِّهِمَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَوَّلًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا الْفِدْيَةُ، أَوْ الصَّوْمُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] وَالْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمَا الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ، أَوْ مَعَ وَلَدَيْهِمَا) إنْ قُلْت هُوَ فِي مَعْنَى فِطْرٍ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ خَوْفُهُمَا عَلَى نَفْسِهِمَا وَمُقْتَضٍ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خَوْفُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ فَغَلَبَ الْمَانِعُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ حَجّ بِالْمَعْنَى.

فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ أَيْ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَلَا تَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهَا وَقَدْ يُقَالُ خَوْفُهُمَا عَلَى نَفْسِهِمَا غَيْرُ مُقْتَضٍ لِلْفِدْيَةِ لَا مَانِعٌ، وَالْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ مُقْتَضٍ فَيَغْلِبُ فَيَكُونُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَغَيْرِ الْمُقْتَضِي فَيَغْلِبُ الْمُقْتَضِي فَلْيُحَرَّرْ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِإِنْقَاذِ نَحْوِ مَالٍ) أَيْ غَيْرِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ) وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَإِنْ أَفْطَرَتْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِمَا زَادَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يُحْتَمَلُ فَسَادُهُ بِالْحَيْضِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَتْ كُلَّ رَمَضَانَ لَزِمَهَا مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ. اهـ. م ر. (قَوْلُهُ: كَمَنْ أَخَّرَ) أَيْ عَامِدًا عَالِمًا. (قَوْلُهُ: مَعَ تَمَكُّنِهِ) بِأَنْ خَلَا عَنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ) فَلَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ مِنْ دُخُولِهِ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ كَمَنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَأَخَّرَ حَتَّى بَقِيَ لِرَمَضَانَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا أَيْ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَإِنْ دَخَلَ وَجَبَتْ. اهـ. ق ل عَلَى الْخَطِيبِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ) أَيْ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) أَيْ التَّكَرُّرِ فِي الْكِبَرِ فَإِذَا أَفْطَرَ الْكَبِيرُ مَثَلًا وَأَخَّرَ الْفِدْيَةَ إلَى مَجِيءِ رَمَضَانَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْمُدُّ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَقَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ أَخَّرَ نِسْيَانًا، أَوْ جَهْلًا بِحُرْمَةِ التَّأْخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ اهـ ح ل هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّ لَا يَتَكَرَّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى التَّرَاخِي وَعِلْمُهُ بِحُرْمَةِ تَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ مَعَ جَهْلِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَا يُعْقَلُ فَقَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ أَيْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْكِبَرِ خَرَجَ بِقَوْلِهِ كَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَهَذَا وَجَبَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>