وَأَمَّا فِي الْبَقِيَّةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مَا تَشَوَّفَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِنْ الْعِتْقِ النَّاجِزِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَكُونَ ذَلِكَ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ دَابَّةٍ) مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ (وَحَمْلِهَا) لِجَعْلِهِ الْحَمْلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الْحَامِلِيَّةَ وَصْفًا تَابِعًا (أَوْ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا) أَمَّا بَيْعُهَا دُونَ حَمْلِهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُسْتَثْنَى كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَلِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ (كَبَيْعِ حَامِلِ بَحْرٍ) فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ، وَاسْتُشْكِلَ بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَدْخُلُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا وَيُجَابُ عَنْ الْحَمْلِ بِأَنَّ الْحَمْلَ أَشَدُّ اتِّصَالًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِهِ فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا شَرْعًا دُونَهُ. (وَيَدْخُلُ حَمْلُ دَابَّةِ) مَمْلُوكٍ لِمَالِكِهَا (فِي بَيْعِهَا مُطْلَقًا) عَنْ ذِكْرِهِ مَعَهَا ثُبُوتًا، وَنَفْيًا تَبَعًا لَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَبَيْعِ حَامِلٍ بِحُرٍّ) لَوْ بَاعَ أَمَةً حَامِلًا مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ وَوَلَدَتْ غَيْرَ آدَمِيٍّ أَوْ شَاةً مَثَلًا فَالْأَقْرَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِهَا وَلَا يُقَالُ هِيَ كَالْحَامِلِ بِحُرٍّ فَيَكُونُ مُسْتَثْنَى شَرْعًا فَلَا يَصِحُّ وَرُبَّمَا رَأَيْتُ فِي كَلَامِ حَجّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا حَرِّرْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِقَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كَاتَبُوهَا عَلَى تِسْعَةِ أَوَاقٍ مِنْ الذَّهَبِ فِي تِسْعَةِ أَعْوَامٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ. وَالْأُوقِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَشَكَتْ لِعَائِشَةَ ثِقَلَ النُّجُومِ فَقَالَتْ لَهَا قَوْلِي لَهُمْ: إنَّ عَائِشَةَ تَشْتَرِينِي بِالتِّسْعَةِ أَوَاقٍ نَقْدًا فَذَهَبَتْ وَأَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلَاءُ فَرَجَعَتْ بَرِيرَةُ وَأَخْبَرَتْهَا بِذَلِكَ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَاشْتَرَتْهَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ مُفْسِدٌ. وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَعَنْ الثَّانِي بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلِ: أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لِبَرِيرَةَ بِمَعْنَى أَنَّهَا خُصَّتْ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعَيْنِ لَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ: اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ أَنَّ الْوَلَاءَ لَك كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ: عَلَيْهَا كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِحَالِ الْبَائِعَيْنِ، وَتَوْبِيخُهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ مَا بَالُ أَقْوَامٍ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ نَاسِخٍ لِصِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْبَقِيَّةِ فَلِأَنَّهُ) أَيْ: الشَّرْطَ فِي الْبَقِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا نَقَلَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ: فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ شَرْطِ الْعِتْقِ حُصُولُهُ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَرَادَ بِالْإِعْتَاقِ الْعِتْقَ أَيْ: لَا الْإِتْيَانَ بِالصِّيغَةِ صَحَّ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. س ل وح ل
(قَوْلُهُ: وَحَمْلَهَا) مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَلَا يَصِحُّ الْعَطْفُ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: لِجَعْلِهِ الْحَمْلَ إلَخْ) فَيَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مَجْهُولٌ وَإِعْطَاؤُهُ حُكْمَ الْمَعْلُومِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ كَوْنِهِ تَابِعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا ذَكَرَهُ م ر قَالَ ز ي وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا، أَوْ الْجِدَارِ وَأُسِّهِ لِدُخُولِ الْحَشْوِ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ، وَالْأُسِّ فِي مُسَمَّى الْجِدَارِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ. (قَوْلُهُ: وَصْفًا تَابِعًا) أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ: دُونَ الْآخَرِ أَيْ: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَمَّا بَيْعُهَا دُونَ حَمْلِهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا بَيْعُهَا بِدُونِ حَمْلِهَا) وَيُفَارِقُ صِحَّةَ بَيْعِ الشَّجَرَةِ بِدُونِ ثَمَرَتِهَا بِتَيَقُّنِ وُجُودِ الثَّمَرَةِ، وَالْعِلْمِ بِصِفَاتِهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ، وَالْبَاءُ وَمَعَ كَالْوَاوِ ز ي.
(قَوْلُهُ: كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ) وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَمْلَ آيِلٌ إلَى الِانْفِصَالِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ اسْتِثْنَاءُ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ فَيَصِيرُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ إذَا بَاعَهَا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَلَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ نَعَمْ يَرِدُ مَا لَوْ اسْتَثْنَى الْمَنْفَعَةَ فِي بَيْعِهَا غَيْرَ مُؤَجَّرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَصِحُّ إذَا قَدَّرَ مُدَّةً فَرَاجِعْهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا فَيُبْطِلُهُ مُطْلَقًا فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ) أَيْ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْلُومًا، وَلَا مُتَقَوِّمًا وَلَا مَقْدُورًا عَلَى تَسَلُّمِهِ ع ش. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ حَامِلٍ بِحُرٍّ) أَيْ: كَأَنْ اشْتَبَهَتْ أَمَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ع ش. وَقَالَ ز ي: أَوْ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَلَوْ بِيعَتْ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ. (قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى) عِبَارَةُ م ر إلْحَاقًا لِلِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ بِالْحِسِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتُشْكِلَ) أَيْ: عَدَمُ الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا شَرْعًا دُونَهُ) لَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْمَنْفَعَةَ أَشَدُّ اتِّصَالًا مِنْ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِلِانْفِصَالِ، وَلَا كَذَلِكَ هِيَ وَالْأَوْلَى مَا أَجَابَ بِهِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ مِنْ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ فَيَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا اسْتِثْنَاءُ مَعْلُومٍ مِنْ مَعْلُومٍ ز ي، وَتَقَدَّمَ عَنْ ق ل.
(قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: كَبَيْعِ حَامِلٍ بِحُرٍّ لِلتَّنَاسُبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: بَيْعًا مُطْلَقًا ح ل.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا) أَيْ: بِأَنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute